من فضل الله أن أنعم عليّ بأن أعيش مدة طويلة في دولتين تعتبران القمة في مجال القطارات هما فرنساواليابان! وكل من يعرفني يعلم أنني من عشاق القطارات منذ صغري والى الان أتابع أخبارها وأقتني كتبها ومجلاتها واحرص عندما ازور أي دولة على زيارة قطاراتها واخذ صورها! وبتوفيق الله أيضا أصبحت الهواية متعلقة بالعمل! فقد كنت أسافر بقطار( تي جي في) الفرنسي من باريس إلى ليون للشغل بشكل مستمر! والان بعد أن أصبح عملي في اليابان أصبح من الضروري علي أن استقل قطار الطلقة أو ما يعرف (الشنكانسن) بشكل دوري بين طوكيو واوساكا! وللحقيقة لا يوجد قطار في العالم يشبه القطار الياباني (الطلقة) فهو يتميز بمواصفات خاصة للغاية! أنشئ قطار الطلقة قبل أكثر من47 سنة! كأقدم واعرق قطار سريع في العالم! ومع الوقت تطور إلى أن أصبح على ما هو عليه ويعتبر الخط بين اوساكا وطوكيو الأكثر ركاباً في العالم حيث ينقل 151 مليون مسافر سنويا! طبعا السرعة تختلف من خط إلى آخر لكن الخطوط الجديدة تصل 320كلم/ساعة لكنه يستطيع الوصول إلى 440كلم/ساعة لكن بسبب الضجيج وغيره تحدد السرعة بأقل من ذلك لكن هناك قطار ياباني آخر يستخدم تقنية الرفع المغناطيسي أي يسبح على القضبان (ميغ لاف) فلا يسبب احتكاكا مع القضبان وسرعته تبلغ 580 كلم/ساعة وهو أسرع قطار في العالم! سبب تفضيلي للقطار على الطائرة هو سهولة الاستخدام فلا تحتاج إلى حجز أو غيره فقط تقوم بقطع التذكرة من الآلة و3 دقائق وأنت في القطار فلا تحتاج بوردنق، ولا تفتيش مثل المطارات ولا ربط أحزمة وتعليمات طيران وغيرها ! وهناك قطار كل 5 دقائق فلا يوجد تزاحم! ورغم أن المسافة بين طوكيو واوساكا 520 كلم إلا أنها تعتبر كأنها مشوار يومي لأحد أحياء المدينة! وقد اضطر للسفر أكثر من مرة في اليوم الواحد لأكثر من مدينة دون أي مشقة فأنت تجلس بارتياح ويوجد انترنت ومطعم وجرائد! وتستطيع التحرك بحرية طوال الرحلة! بالإضافة إلى أن دقة المواعيد خيالية حيث إن معدل التأخر في الرحلات كان سابقا 18 ثانية لكل 160الف رحلة لكن اليابانيين لم تعجبهم 18ثانية! فأصبح الان معدل زمن التأخير 6 ثوان لكل 160 الف رحلة! طبعا الأمان في قطار الطلقة الياباني يعتبر مضرب مثل فرغم الزلازل الكثيرة في اليابان لم يشهد أي حوادث تذكر طيلة حوالي نصف قرن! حصلت لي قصة شيقة وهو أن احد أصدقائي في الحزب الديمقراطي الحاكم ذكر للسيد سيجي مايهارا رجل اليابان القوي ورئيس لجنة السياسات في الحزب الحاكم حاليا أنني من عشاق القطارات وكان السيد ميهارا الذي كان في ذلك الوقت وزيرا للخارجية أيضا من عشاق القطارات! فأخذنا نتبادل الحديث والنقاش عن القطارات والحق يقال السيد ميهارا معروف عنه الذكاء الحاد وقوة الشخصية فهو سياسي لامع ولكنه متواضع للغاية! وكان متحمسا للغاية ومستمعا جيدا كانت جلسة طويلة لكن مفيدة واذكر أنني سألته لمَ لا تنشرون قطارات الطلقة في العالم؟ وكان رده أن الحكومة الحالية متحمسة لذلك كان في السابق بعض الصعوبات لكن حاليا هو يعمل بجد في هذا الإطار! وقال لي أي مساعدة في هذا الموضوع سيبذل جهده! وشكرته على مؤازرته في تلك الجلسة ! الان السيد ميهارا يعتبر من أصدقاء السعودية الذين يدعمون تعميق العلاقات بين الدولتين! الميزة التي تعجبني في اليابانيين أنهم شعب غير بخيل بنقل التكنولوجيا! فقد قاموا بتعليم الصينيين صناعة القطارات وأعطوهم رخصة تصنيع وليس فقط صيانة! الميزة الأخرى سعة القطارات اليابانية فمثلا لو نلاحظ قطار التالغو الاسباني الذي تم التعاقد عليه مؤخرا للحرمين سعته 318 راكبا بينما القطارات اليابانية سعتها من 731 إلى1300 راكب ! والان بعد اعتماد قطار الجسر البري بين الرياضوجدة شعرت بالسعادة! فلربما نستفيد من الخبرة اليابانية لتصنيع وتشغيل القطارات وحتى ربما نفرح يوما برؤية قطار طلقة (صنع في السعودية) لمَ لا فلا يوجد شعب يحترم تنفيذ عقوده بجودة عالية كما يفعل اليابانيون (فقط لا تتدخل بمسار أعمالهم). الذي دفعني لكتابة هذا المقال بعض الرسائل على التويتر التي تتهمنا بعدم الاهتمام بداخل الوطن وأريد القول والله إنني لم أرَ شيئاً جيدا خارج السعودية إلا تمنيته في وطني! ونحن نبذل جهدنا وعلاقاتنا قدر ما نستطيع لخدمة هذا البلد ! لدرجة أنني أصبحت أشجع الطلاب السعوديين في اليابان على التخصص في مجال القطارات وأحدهم فعل من نفسه وفرحت به! لعلي في يوم أرى المواطنين وهم يستمتعون براحة القطارات كما انا مستمتع الان! (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) صدق الرسول الكريم.