لقد خلق الله من الماء كل شيء حي ، وخلق الله أيضا من الطاقة كل شيء في الوجود ( الأنسان والحيوان والنبات والجماد والآلة) لا يمكن أن يؤدي عمله في الحياة الا بالطاقة. البترول واحد من مصادر الطاقة المتعددة (الشمسية، الرياح، مساقط المياه، الفحم، الغاز، النووية، الى آخر قائمة مصادر الطاقة) التي يستخدمها الإنسان لإنجاز أعماله اليومية من أجل أن يعيش.ولكن البترول وحده من هذه المصادر جميعها يتميز بأن له استعمالات صناعية متعدّدة لا توجد في مصادرالطاقة الأخرى ولكنه للأسف رغم انه أكثرها ندرة الا أنه أكثرها استهلاكا - وبالتالي أقصرها عمرا - لأنه أرخصها وأجودها ولذا يسمى: صانع النموالاقتصادي، أوالذهب الأسود، أوالنبيل. يربط الاقتصاديون المختصون باقتصاديات التنمية بين معدلات النموالاقتصادي وبين معدلات استخدام الطاقة، فكلما زاد معدل استخدام الطاقة في انتاج الناتج القومي في دولة معينة كلما زاد معدل النموفي اقتصاد هذه الدولة، وكلما انخفض معدل استخدام الدولة للطاقة كلما انخفض معدل نمو اقتصادها. الحقيقة ان معظم كبارالاقتصاديين يقولون ان الطاقة هي السبب وان النمو هو النتيجة. بينما البعض يعتبرهما متلازمان كالبيضة والدجاجة لا يمكن الفصل بينهما أومعرفة أيهما يسبق الآخر. لكن الشيء الذي لا يختلف عليه اقتصاديان هوأن توفر ورخص سعر نوع الطاقة المستخدمة بالنسبة لقيمتها المضافة يؤدي الى معدلات نمو عالية يجعل الاقتصاد القومي لدولة ما ( وبالتالي رفاهية شعبها) يتفوّق على اقتصاديات الدول الأخرى. بينما ارتفاع تكاليف ورداءة نوع الطاقة المستخدمة تؤدي الى اعاقة النمو وانخفاض الناتج القومي وبالتالي انخفاض متوسط دخل الفرد. حتى منتصف القرن التاسع عشر ( قبل مائة وستين سنة ) كانت اقتصاديات دول اوروبا الغربية لتوفر الفحم الأوروبي هي الأقوى والأكثر تقدما ونموا في اقتصاديات العالم. ولكن في منتصف القرن التاسع عشر بالتحديد عام 1859 اكتشف ادوين دريك البترول صدفة في ولاية بنسلفانيا ومن ثم في الولايات الأخرى في أمريكا وبدأ الاقتصاد الأمريكي يتحوّل بسرعة من استخدام الفحم الى استخدام البترول بشكل متزايد وأخذ الاقتصاد الأمريكي ينموبسرعة متزايدة الى أن أصبح الاقتصاد الأمريكي تدريجيا أكبروأقوى اقتصاد في العالم وتفوّقت امريكا - بفضل استخدامها للبترول - على اوروبا. الشيء الذي جعل امريكا تواصل النمو بعد الحرب العالمية الثانية وتحافظ على مركزها كأغنى وأقوى اقتصاد في العالم هوانها استمرت في التوسع في استخدام البترول كمصدر للطاقة ولم ترهق اقتصادها بفرض ضرائب مرتفعة على استهلاك البترول كما أرهقت دول اوروبا الصناعية اقتصادياتها بفرض ضرائب عاليه على استهلاكه ولم تدرك سرمعجزة البترول الرخيص في تحقيق النموالاقتصادي فتخلّفت اوروبا اقتصاديا عن امريكا. بينما اكتشفت اليابان السر واعتمدت على البترول الرخيص المستورد من الخارج فتحولت من دولة اسيوية ينمو اقتصادها ببطء الى اقتصاد صناعي يقف موقف الند وينافس صناعيا أكبر الدول التي سبقتها في التحول الى اقتصاد صناعي حديث. الآن يبدو ان تفوق النموالاقتصادي أخذ يتحوّل ببطء من امريكا الى دول الشرق (الصين والهند والنمور) لأنهم بدأوا يكتشفون سر العلاقة بين البترول ورفع معدلات النموالاقتصادي. بينما وصول انتاج البترول الأمريكي التقليدي الى الذروة عام 1970 حيث بدأ ينخفض من عشرة ملايين الى اقل من خمسة ملايين برميل في اليوم مما جعل امريكا تلجأ الى تعويض نقص انتاجها باستيراد البترول من الخارج. ولكن رفع شعارمايسمى أمن الطاقة قد يضطر امريكا الى التحول الى استغلال البترول غيرالتقليدي الرديء ومرتفع التكاليف المتوفر في اراضيها، فنتمنى لأمريكا التوفيق في جهودها لأن هذا ليس كما يعتقد البعض بأنه سينافس بترول الدول المنتجة للبترول، بل العكس سيفيد البترول الرخيص من ناحيتين: أولا: سيضع حدا ادنى لاسعار البترول تدافع عنه امريكا لا يقل عن 110 دولاربالأسعار الثابتة (قد يتجاوز 240 دولار بالأسعار الجارية عام 2035). ثانيا: أيضا يخفّف الضغوط على الدول المنتجة للبترول الرخيص من مطالبتها بزيادة انتاجها فوق حاجة اقتصادها لإنتاج البترول. موضوع زاوية السبت القادم - ان شاء الله - سيكون بعنوان: ليس ضد، لكن لتخفيف العبء عن عجز ساهر.