إذا كانت العصافير تُمسك بقوائمها فإن البشر يؤاخذون بأقوالهم كما تقول الحكمة ولكن العجب أن يقول أحدنا كلاماً ثم يتهرّب من مسؤوليته بمعنى أنه يؤمن بشيء قد يصرّح به خلف الكواليس ولكنه يخشى قوله علناً وفي هذا منتهى الانهزامية، هل يحدث هذا..؟؟ نعم يحدث كثيراً وممن..؟؟ من (بعض) الذين يسمون أنفسهم بالنخب حيث يمارسون ازدواجية المواقف ويلبسون لكل مناسبة قناعاً يصلح لها، وحين ننتقد مثل هؤلاء فبسبب انتفاء منطقية الفعل وانهزامية الموقف ولكن كيف بالحال حين يكون صاحب هذه الازدواجية شخصاً في موقع المسؤولية حيث يمارس في نطاق عمله أفعالاً للمسايرة فقط ولكن في قرارة نفسه ولدى الأصحاب المقربين له أخرى معاكسة تماماً لتلك المعلنة، في ندوة عامة عن الحوار الوطني سأل أحد الحضور عن عدم نقل المناقشات والحوارات التي تدور بين المتحاورين على الهواء لكي يتابع الناس ما يدور خلف الكواليس..؟؟ وكانت الأسباب التي سمعها الحضور واهية إلى أن قال المجيب ان هناك من المتحاورين من لا يرغب في الإعلان عن آرائه رسمياً فيطلب من منظمي الندوة ألا يتجاوز كلامه حدود القاعة المغلقة..! ماذا يعني هذا..؟؟ ألا يدل على ازدواجية خطيرة تصيب اضرارها افراد المجتمع بل قد لا أبالغ لو قلت ان هذا نوع من أنواع الغش..! نعم الغش، فكيف بإنسان موثوق الرأي يقول آراء للناس فيصدقونه ويعملون بها ثم يكتشفون بعد فترة من الزمن أنه قد تراجع عنها وأنه حين قالها كان بغرض مسايرة ظرف ما وليس بسبب قواعد معروفة قد استند عليها..! ليست المشكلة في أن يخطئ الإنسان في آرائه وأفكاره فمن منا لا يخطئ ولولا ظلمة الخطأ ما أشرق نور الصواب كما تقول العرب، إنما أن يظهر البعض من آراء عكس ما يُبطن فذلك أساس المشكلة التي أنا بصدد الحديث عنها هنا حين صدمت حينما سمعت أن هناك من يسوّق علناً لأفكار لا يؤمن بها وحينما يكون في مجلس خاص أو في مكان مغلق كما حدث في ندوات الحوار الوطني يقول شيئاً آخر مناقضاً لما روّج له فما الفائدة المأمولة من مثل هؤلاء..؟ ولماذا يتم استدعاؤهم أصلاً للمشاركة في محفل يعوّل عليه الناس الكثير من الآمال فالذي لا يصدق مع نفسه قطعاً لن يصدق مع الناس..؟؟ ليس ثمة سعادة بلا شجاعة ولا فضيلة بلا معركة كما قال أحد الفلاسفة وهذا القول ينطبق تماماً على حكايتنا هنا حيث يفتقد البعض ممن نسميهم بالنخب الى الشجاعة بالاعلان عن أفكارهم المتعلقة بتفاصيل حياة الناس بل يعمدون أحياناً الى قول ما يعطّل تقدم وتحضّر المجتمع بحجة عدم اثارة الفتن رغم أنهم يؤمنون بضرورة تغيير بعض التقاليد البالية خصوصاً تلك التي لا علاقة لها بثوابت الدين وأصوله، لا أدري كيف يتصالح هؤلاء مع ذواتهم وكيف تستقر أنفسهم مع هذه الازدواجية الحادة.. ألا يتعبون نفسياً أم لهم دوافع دنيوية لا يستطيعون لها رداً..؟ [email protected]