المغني أمريكي، والطرب إسرائيلي!.. هذا ما يحدث مع أي متقدم لانتخابات الرئاسة الأمريكية أو غيرها حين تتم مداعبة العواطف بخلق اتهامات للفلسطينيين بالإرهاب، وتدمير إسرائيل، وليس رأي المتقدم للرئاسة الأمريكية «نيوت غنغريتش» إلا حلقة في السلسلة الطويلة عندما يقول «إن الشعب الفلسطيني تم اختراعه كإرهابي عربي، ويجب أن يعود لأصوله» ولو حاولنا نقل الاتهام للسيد نيوت، فإنه جاء من أوروبا مستوطناً أرضاً تخص الهنود الحمر والذين أبادهم أجداده، كما أباد الصهاينة شعباً أصيلاً على أرضه، قبل أن تُكتشف أمريكا بقرون طويلة.. للتاريخ حكمٌ لا يزول باغتصاب الأرض، وأمريكا تعترف أنها أجرمت بحق شعب أنهته عنصرية الرجل الأبيض القادم من قارة بعيدة، والفلسطينيون لم يخترعهم لا العقل الأمريكي، ولا العقل الإسرائيلي حتى نصل إلى هذا الاكتشاف التاريخي العظيم! ولو أمعن نيوت في قراءة السجل الفلسطيني منذ البدايات الأولى لأصله، لربما أزال عن نفسه أمية قراءة الماضي بشكل محايد، ولعل محاولة رشوة اليهود بالتصويت له في انتخابات الرئاسة القادمة حق تقرره الظروف الأمريكية، لكن لا يجب التلاعب بالكلمات، والاسترزاق على حساب وجود شعب أقرته المنظمات العالمية بناء على مصادر الأسفار التي تؤمن بهذه الحقيقة.. إسرائيل دولة تهم أمريكا وتراها أهم من بعض ولاياتها، وهذا السحر العجيب لا يوجد له مثيل عند دول عظمى، بحيث نجد أن المفاضلة بين مواطنها ودولة خارجية، تأتي للأخيرة، ومهما قيل عن نفوذ اليهود في التجارة والإعلام، فهم يحصلون على قوتهم، ليس من أوزانهم المالية والدعائية التي يرهبون بها الآخرين، ولكن من خلال زواج ديني وعقدي عندما تقفز واجبات دعم إسرائيل كلازمة متقدمة على الواجبات الأمريكية الخاصة برباط روحي.. ليس في الأمر مشكلة أن يتم زواج كاثوليكي بين أمريكا وإسرائيل، لأن لكل دولة مصالحها التي تمنحها فرض المعاملات وإدارة السياسات على حساب أخرى، ونحن في المنطقة العربية اعتدنا على استحالة أن نصل معها إلى قانون عادل يساوي بين الدول، مدركين أن رشوة اليهود وكسب أصواتهم بنقل سفارة أمريكا للقدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، أو تأييد الاستيطان والسكوت عن أي ممارسات إجرامية ضد الشعب الفلسطيني، صارت من الأمور اللازمة في السياسة الأمريكية و«غنغريتش» لم يكن شذوذاً في الحالة الراهنة لأنه نمط يسترزق في ملعب السياسة الأمريكية المفتوح، ولن يطالنا الحرج أن تتخذ الدولة العظمى الانسحاب من اليونسكو لمجرد الاعتراف بفلسطين عضواً فيها، أو استخدام حق النقض «الفيتو» ضد أي إجراء في مجلس الأمن ينتقص من قوة إسرائيل لصالح العرب.. الفلسطينيون معادلة مزعجة لإسرائيل ، ولايمكن اعتبارهم شعباً (مخترعاً) بأي صورة من الصور، والمسألة لا تحسم بالأقوال، فإسرائيل تعيش في محيط عدائي لها، وهي لا تستطيع العيش بمنطق الحرب دائماً، إلا إذا كانت تريد تجاهل عامل المستقبل، والذي لا تقرره تحالفات الحاضر، وإنما ما سيحدث لاحقاً، وهي تقر بذلك، وتتجاهله كهروب من كابوسِ حضوره في ذهنها..