يلاحظ على المشهد الاجتماعي السائد مع الثورات العربية ارتفاع في حدة التأجيج الطائفي في المنطقة. بعد حرب المملكة على الحوثيين، وجد أعداء السلم الاجتماعي والباحثون عن الجنة عبر الجثث والأشلاء فرصتهم في جعل حملة الجيش السعودي على المتسللين الحوثين حربا على الطائفة الشيعية. نقرأ هذه الأيام الصراع الدائر بين بعض الأصوليين من أهل السنة، وبين الحوثيين في اليمن. ونسمع المأزومين ينادون بنجدة الأصوليين في اليمن، وكأن المملكة معنية بنجدة كل من يدخل في حرب مع الشيعة أو أن المملكة معنية بحماية الآخرين لمجرد أنهم ينتمون لطائفة السنة.. في السياق نفسه حاولت بعض وسائل الإعلام توسيع البعد الطائفي في الأحداث المؤسفة التي جرت مؤخرا في مدينة القطيف وتصويرها على أساس أن هناك صراعا بين السنة والشيعة في المملكة. الحقيقة أن الحكومة تصدت للمظاهرات والجميع يعلم أن قانون منع التظاهر يشمل الجميع وبنفس الحزم. لا تفرق قوات الأمن بين متظاهرين في القطيف وبين متظاهرين في جدة أو الدمام او الرياض أو أي مكان آخر في المملكة، فالقانون واضح في منع المظاهرات ولا يستطيع أحد أن يدعي أن هذا القانون له علاقة بالطائفية أو المناطقية أو القبلية. إن توافق على هذا القانون أو لا توافق، فهذا شأن آخر وقضية أخرى تعالج في مكان آخر، ولكنه ليس موجها ضد طائفة دون أخرى. يدرك الجميع أن التوتر السني الشيعي (الديني) ليس وليد اليوم ولا علاقة له بالقضايا المتعلقة بالتحديث والتطوير. هذا البعد التاريخي حساس وخطر. أي شيء يحدث في القطيف بمعزل عن بقية أرجاء الوطن سيقرأ على ضوء هذا التاريخ. لن يترجم على أنه مطالب شعبية تتصل بالشعب السعودي كشعب سعودي. رجل الشارع السعودي العادي (غير الشيعي) لن يتعامل معها كمطالب اجتماعية. هذه واحدة من أكبر الأخطاء التي يرتكبها بعض وجهاء الشيعة عند ربطهم ما يرونه لبلدتهم ومدينتهم ومستقبلهم بالمذهب مما يجعل مطالبهم الاجتماعية تتميز وتنفصل عن بقية المطالب الأخرى في المناطق الأخرى. لا أحد يشك في وطنية أهل القطيف. عندما تزيح القشرة الطائفية عن وجودهم ستجد أنهم مواطنون عاديون. مطالب الأكثرية في القطيف تتفق مع أهداف الدولة والمطالب الشعبية في المناطق الأخرى. فالبطالة والسكن إذا طالبت بها فئة معينة بمعزل عن بقية فئات المجتمع وزج بالبعد الديني فيها تتحول إلى طائفية. مما يرفع من الأزمة من المستوى الاجتماعي العادي إلى قضية سياسية وتتحول إلى مظاهرات وصخب. الأمر الذي يبعدها عن مشروعيتها ويسمح للمأزومين في الداخل والقوى الخارجية باستغلالها وتكريس الكراهية التاريخية.. أي مطالب مهما كانت وجاهتها ستنحرف عن سياقها إذا لم يأخذ أصحابها الواقع والتعقيدات التي تصاحبها. أن يكون أصحابها أكثر حذرا من غيرهم. يجب ألا يسمح لبعض المتطرفين المأزومين المتمترسين بالمذهب الزج بالأبرياء في معركة عبثية يستخدم فيها أبناء الطائفة الشيعية كرأس حربة في معركة سيخسر فيها الجميع. أتمنى التوقف عن الضرب على وتر (شيعي سني) في المطالب الاجتماعية المطروحة في ساحة الحوار القائمة الآن، وأن تكون بعيدة عن التوجهات السياسية عبر البيانات والمطالب. فالطائفية أخطر من أن تكون أداة سياسية أو اجتماعية لاستنهاض التأييد أو كسب المواقف والدفاع عن قضايا أخرى. فأي خطأ في حساب التعامل معها يمكن ان يكون صداما شعبيا. ما يسعى إليه المثقف السعودي (سني أو شيعي) لا علاقة له بطائفة المواطن. من يجر القضية الدينية ويربطها بالقضايا الدنيوية هو في الواقع يحاول أن يفصل المواطن الشيعي عن وطنه ومحيطه ويضر بمستقبل السلام الاجتماعي للبلد ككل.