قالوا:- = حين رحلت، تركت لنا قلباً ينبض، ولم تترك عليه اسماً، فاحترنا لمن هذا القلب، واتفقنا جميعاً أن نأكله.. نظرت إليهم وقلت:- = لذا أنا أحبكم جميعاً.. وكعادتها هي.. انفضوا من حولي جميعاً!.. بتر قال الطبيب لأبي حين ولدتني أمي:- = إن ابنك ولد بعيب خلقي.. إصبعان متشابكان في راحة يده، ويحتاج إلى عملية لفصلهما رفض أبي.. وصدق رفض أبي.. واحتجت لعملية بعد حادث سيارة، وبترت كل أصابعي عدا ذاك الإصبعين المتشابكين!.. كنا.. ثلاثة إخوة قال لي:- كنا ثلاثة إخوة، تجمعنا قهوة أمي ولم يفرقنا موت أبي، وفرقنا الزمن حين دفنا أمي تحت التراب.. حين ماتت أمي تعاهدنا، أن يسأل كل منا عن الآخر، وأن يمسك كل منا بيد الآخر، لنخالف الزمن ونصبح إخوة كما كنا.. تشابكت أيدينا مع أيدي بعض.. تعاضدنا، ليكمل كل من الآخر، وأصبح كل منا يمسك الآخر بيده اليمنى، ويمسك أبناءه بيده اليسرى.. وحين جعنا، دس كل منا يده اليمنى بجيبه ليستخرج رغيفه، حينها افترقنا.. تهنا ونحن ننظر إلى بعض، وأكل كل منهم ربع رغيفه وأطعم أبناءه بالربع الثاني، ودسوا نصف الرغيف الباقي للأيام القادمة.. أما أنا فقد أكلت رغيفي بأكمله، لأني مختلف عنهم، فأنا مصاب بداء السكري، وشعرت لو أني لم آكل رغيفي كاملاً قد ينخفض معدل السكر في الدم، وأقع طريح الطريق.. ذاك الطريق الذي لا يعرفه إخوتي!.. وحين اجتمعنا بعد سنين، واعتلى البياض شعر رؤوسنا، أخرج كل منهم باقي رغيفه وتقاسمه مع أبنائه، أما أنا فدسست يدي في جيبي ولم أجد شيئاً.. فانخفض معدل السكر في الدم، وسقطت في ذاك الطريق الذي لا يعرفه إخوتي!.. عزاء في آخر يوم عزاء، قابلته هناك.. ربت على كتف صديقنا الذي توفيت أمه وقال له بحزن:- = إن الحياة لا تنتهي، فاجعل من أيامك القادمة حياة جديدة لك.. وقبل أن يغادر مجلس العزاء أمسك بيدي، وخرجنا سوياً.. عند باب صديقنا قال لي: = كيف له أن يمشي في الحياة.. وقد تركناه عارياً!.. عري في كامل هيئته وجدته هناك، دقيق جداً في اختياره لملبسه، أنيق في تناسق الألوان، يمشي الهوينا وكأنه جبل من ثقة، وحين عبر من أمامي، قلت في نفسي:- " أعرفه جيداً.. فرغم أناقته.. فهو يمشي عارياً.. فبالأمس قد دفن أمه تحت الثرى!..