قصة واقعية ليست من نسج الخيال، عندما دخل مريض إلى أحد المستشفيات، وكان يعاني من آلام خفيفة بعد عملية جراحية مر عليها قرابة (4) أشهر، وما أن مكث في المستشفى أقل من أسبوع، إلاّ وانتكست حالته، استنكر أهله من وضعه، وعند سؤال أبنائه لأحد الأطباء المشرفين، قال: "إنه أثناء العملية السابقة لم نتمكن من إغلاق الجرح، ويحتاج إلى تدخل طبي سريع"، وبعد مرور يوم فقط على هذا الحديث توفي الرجل، وإذا بأحد الأطباء يجزم أن ما حدث هو خطأ طبي (100%)، طالباً من أبنائه تشكيل لجنة جراء ذلك العمل، ودون إبلاغ إدارة المستشفى بما أدلى به، في تلك اللحظة لم يهتم أبناؤه بذلك الأمر، فالحدث أكبر من البحث عن أسبابه، والخوف من مكوث الجثة عدة أيام كان السبب في عدم البحث. هناك من يأتي إلى المستشفى ويشتكي من بعض الأعراض ليخرج محملاً ب«سلة أمراض»! "الأخطاء الطبية" قضية كبيرة، لم توجد لها الحلول حتى الآن، بل ولم يُضمن حق أي مريض يدخل إلى المستشفى، حتى وإن كانت حالته تشتكي من بعض الأعراض البسيطة، ليخرج في النهاية محملاً ب"سلة أمراض"!، ويبقى السؤال: هل معاقبة المتسبب ستضمن لنا عدم تكرار مثل هذه الأخطاء، أم أن الأمر يحتاج إلى الكثير من الجهود؟. "الرياض" تناقش أسباب الأخطاء الطبية، وتطرح وجهة نظر المختصين حول جدوى عقوبة الأطباء الذين وقعوا في تلك الأخطاء. نسيان وخطأ في البداية قالت "أمل الخثلان": أن جدّها -رحمه الله- كان يعتمد على نفسه في كل شيء، بل وكان سليماً طبياً، ثم نصحه أحد الأطباء بأخذ حبة "أسبرين" بشكل يومي لتفادي الجلطات، لكنه أصيب بكسر في الحوض، فنقل إلى أحد المستشفيات الحكومية، وتم تبليغه بضرورة انتظامه على "الأسبرين"، ولكنه أصيب بعد عدة أيام بجلطة أردته طريح الفراش بشلل كامل؛ بسبب نسيان الفريق الطبي المشرف عليه إعطاءه الأسبرين!. وطالب "محمد الحربي" بوجود "كاميرات مراقبة" عند إعطاء المريض الجرعات، مع تدوين الجرعات في ملفه، وكذلك وقت إعطائه الدواء، وفي حال انتكاس حالته يراجع ملفه كاملاً بالتسجيل لمعرفة المقصر ومحاسبته. د.مشبب العسيري وشددت "سهام السلامة" على أهمية وجود عقوبات رادعة للأطباء في حال اكتشاف الخطأ الطبي، وعدم مزاولة الطبيب عمله في نفس المجال. وقالت "منار عبدالعزيز": أنه في بعض الأوقات تشعر بانتكاس حالة المريض فجأة، مما يؤدي إلى طرح عدة تساؤلات، مضيفةً أن بعض الأطباء لا يستمع إلى حديث الأقارب، من خلال كشفهم أن حالة المريض استاءت!. القدرات تختلف وتحدث "د.مشبب العسيري" -رئيس قسم العلاج بالأشعة في مدينة الملك فهد الطبية- قائلاً: إن الأطباء مختلفون في قدراتهم والأماكن التي يعملون بها ووقتهم والتدريب الذي تلقوه، مضيفاً أن كلما توفرت الإمكانات قلّت الأخطاء، موضحاً أن الأماكن التي يكثر فيها ضغط العمل يكون فيها أخطاء طبية أكثر؛ لأن الأطباء الذين يعملون لفترات متواصلة أكثر من (24) ساعة تزيد لديهم نسبة الأخطاء الطبية بنسبة تصل إلى (168%)، مشيراً إلى أن الإقرار بالخطأ الطبي لابد أن يكون قاعدة عامة يتعلمها الأطباء في كليات الطب، واعتبرها من أخلاقيات المهنة وأساسياتها، ذاكراً أنه في الواقع وجد أن الاعتراف بالخطأ الطبي ينقسم إلى عدة أقسام، منها من يعتقد أنه خطأ بسيط لا يؤدي إلى أذى المريض، حيث يرى (20%) من الأطباء أنه من الأفضل أن لا يخبر المريض به، نظراً لأنه قد يؤدي إلى مضايقات أو توجسات ليس لها أهمية، بينما يرى (60%) أنه حتى لو لم يؤدِ إلى ضرر للمريض، لابد أن يخبر بالخطأ، مبيناً أن القسم الثالث يرى أنه إذا كان الخطأ الطبي أدى إلى ضرر للمريض أو تلف او إعاقة، لابد من إخبار المريض، ومساعدته من العلاج. ضرورة الإبلاغ وبيّن "د.العسيري" أن هناك أنظمة في المستشفيات تحتم ضرورة إبلاغهم بهذه الأخطاء الطبية لتلافيها في المرات القادمة؛ لأنها جزء من برامج الاعتماد في المستشفيات المتطورة، مضيفاً أن بعض الأطباء يخشى عند إخبار المريض بالخطأ الطبي من العواقب القانونية، مشيراً إلى أن الأبحاث العلمية الموثقة تؤكد على أن إخبار المريض بالخطأ والاعتراف به يقلل كثيراً نسبة الملاحقات القانونية والقضائية للأطباء، مشدداً على أهمية توثيق ذلك الخطأ في ملف المريض وإخباره وإدارة المستشفى بهذه القضية، والهدف من ذلك عدم تكرار الخطأ في مريض آخر؛ لأنه قد يكون هناك سبب يمكن تلافيه في المرات، ذاكراً أن معظم المستشفيات المعتمدة لديها أنظمة في الخطأ الطبي كجزء من أنظمة الجودة الشاملة، فعند حدوثه يوثق بالوقت والتاريخ واسم المريض وتفاصيل كاملة بالخطأ، ثم يرسل إلى إدارة الجودة الشاملة التي من اختصاصها فتح تحقيق عن هذا الخطأ وملبساته، وينتهي التحقيق بوسائل إصلاح هذا الخطأ، مع وضع الحلول للمشكلة، ولا ينتهي بمعاقبة الطبيب بل تحسين ما يمكن تحسينه لتلافي هذا الخطأ في المستقبل. د.محمد السلطان ملاحقات قانونية وأكد "د.العسيري" على أن السبب في إنكار الأطباء للخطأ الطبي راجع للخوف من الملاحقات القانونية، مضيفاً أن بعض البلدان سنت قوانين معينة لحماية الأطباء من نتائج الأخطاء الطبية، مثل عدم ملاحقتهم قانونياً إلاّ إذا كان هناك تلفيات، مشيراً إلى أن بعض الأنظمة في المملكة سنت قوانين صارمة وقاسية أدت إلى عدم الاعتراف بالخطأ الطبي، وهي منع الأطباء من السفر، مشدداً على أهمية وجود الأنظمة العقابية، مبيناً أن أكثر دول العالم أوجدت تأميناً خاصاً للأطباء خاصاً بالأخطاء، وهو مطبق في المملكة، فلا تجدد التراخيص للعمل في المستشفيات الحكومية في المملكة إلاّ بعد إيجاد تأمين الأطباء على الأخطاء الطبية التي قد تكون غير مقصودة، مبيناً أن عدم وجود جهات تحمي الطبيب من الملاحقات القانونية أدت إلى إنكار كثير منهم الأخطاء الطبية، كذلك تعاون شركات التأمين مع الأخطاء الطبية لا تساعد الأطباء في التقاضي في المحاكم، لكنها تتدخل فقط في حال إصدار حكم على الطبيب، لكن قبل إصدار الحكم قد يتعرض الطبيب إلى تضييع وقته في حضور الجلسات والمحاكم وتغيب عن عمله. غير مقبول وقال "د.محمد بن عبدالله السلطان" -استشاري طب الطوارئ واستشاري العناية المركزة بمدينة الملك عبدالعزيز في الحرس الوطني-: إن بعض المرضى يهملهم ذووهم في حال وقوع الخطأ الطبي رغم الإقرار به، معتبراً ذلك التصرف بغير المقبول؛ لأن على ذوي المريض مسؤولية تجاه المجتمع يجب عليهم أن يعملوا بها، وهذا جزء من المواطنة الصالحة أن يرفع بمثل هذا حتى لا يحصل لغيره، مضيفاً أن هناك لجاناً طبية في أكثر المستشفيات الكبرى في المملكة مهمتها تقرير ما إذا كان الممارس الصحي مداناً بالخطأ الطبي المذكور، ونسبة تحمل كل عضو من الفريق المعالج لجزء من المسؤولية، مع التأكيد على أن أعضاء مثل هذه اللجان هم من كبار الاستشاريين في المستشفيات ويستعينون بذوي الخبرة في أي تخصص ينقصهم. إخفاء الأخطاء وأبدى "د.السلطان" رأيه في رغبة البعض من إلحاق الطبيب للجزاء الرادع، كمنعه من الترقيات أو عدم بقائه في منصبه، وقال: إن استخدام هذه المفاهيم سيؤدي بالممارس الصحي أياً كان طبيباً أو ممرضاً أو صيدلانياً أو غيرهم إلى إخفاء الأخطاء، أو التنصل منها، بل وسيُكتشفُ خطأ واحد وسيُخفى مئات غيرها، مبيناً أنه من أهم إجراءات الخطأ الطبي الجلوس مع المريض أو ذويه وإخبارهم صراحة بما حصل، وعدم محاولة إخفاء ذلك عنهم، حيث أثبتت دراسات عدة أن مثل هذه المصارحة تقلل من حالات المطالبات القضائية على الممارسين الصحيين، بل ولا تزيدها كما يظن البعض، مشيراً إلى أن الإجراء الآخر الذي يجب عمله هو طمأنة المريض وذويه وعمل كافة الإجراءات الاحترازية التي من شأنها التقليل من الآثار المترتبة على الخطأ الطبي الذي وقع. وخز إبرة في غير موضعها كفيلٌ بوقوع خطأ طبي فادح