بعد عقد من قيام الشرطة بالتجسس على الحياة اليومية للمسلمين، شرع الناشطون في نيويورك على تحريض الناس على عدم الإبلاغ عن مخاوفهم تجاه القضايا ذات الصلة بالإرهاب مباشرة ، في حملة من المؤكد أنها سوف تزيد العلاقة بين الجانبين توترا وتعقيدا. وشرع قادة الجاليات المسلمة علانية في توعية المسلمين حول كيفية التعرف على المخبرين التابعين للشرطة وحثهم على التحدث أولا إلى المحامين قبل الاتصال بالسلطات، بجانب تذكير الأشخاص الذين يتعاونون مع جهات تطبيق القانون بان من حقهم تغيير آرائهم. وتأتي الحملة الواسعة النطاق عقب التحقيق الذي أجرته وكالة «الاسوشييتد برس» والذي كشف عن قيام شرطة نيويورك بتجنيد رجال شرطة بملابس مدنية للتنصت والتجسس على مجتمعات المسلمين في أعقاب هجمات 11 سبتمبر حتى بدون توفر أي دليل على ارتكابهم أفعالا مخالفة للقانون. وفي ذات الاتجاه تم تحديد المطاعم التي تقدم خدماتها للمسلمين وتصويرها. وتم إجراء تحريات حول المئات من المساجد بينما تمكنت عناصر الشرطة من التسلل إلى داخل العديد منها. واستخدمت الشرطة المعلومات التي تجمعت لديها في بناء قواعد معلومات عرقية حول الحياة اليومية داخل أحياء المسلمين. وتم تطوير معظم هذه البرامج بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ( سي آي إيه). وكان من نتاج ذلك أن وجدت واحدة من اكبر المجتمعات المسلمة في أمريكا- في مدينة تعرضت للهجوم مرتين وتم استهدافها عشرات المرات – في دوامة من عدم الثقة مع اكبر شعبة للشرطة في البلاد ، ذلك أن شرطة مدينة نيويورك تتجسس على المسلمين مما يجعلهم اقل ميلا لوضع ثقتهم فيها. وهذا الوضع يعزز الاعتقاد بان المجتمع الإسلامي كتوم ومنعزل وهو اعتقاد دفع المسؤولين السابقين والحاليين في شرطة نيويورك إلى القول بأنه السبب الرئيس في التجسس عليهم في المقام الأول. ويشير بعض المسؤولين الحكوميين إلى أن المسلمين لا يتعاونون في الحرب ضد الإرهاب ويبررون بذلك الأعمال التجسسية المكثفة في حين ينظر العديد من المسلمين إلى الأمر على انه طريقة لحماية أنفسهم من الوقوع في أحبولة الشرطة في إطار جهودها لاعتقال الإرهابيين. وفي محاضرة نظمت مؤخرا لطلاب كلية بروكلين تحت عنوان» اعرف حقوقك» تساءل احد الطلاب قائلا لماذا يتوجب على المسلم الذي ليس لديه ما يخفيه أن يتجنب التحدث إلى الشرطة. وأجاب رمزي قاسم أستاذ القانون بجامعة نيويورك بقوله،» الأمر غالبا ما يتمثل في حملة اصطياد في معظم الأحوال.لذا فان الشيء الأكثر أمنا وأمانا وسلامة الذي يمكنك أن تفعله لنفسك وأسرتك ومجتمعك هو ألا تجيب .» ويقول النائب الجمهوري بيتر كينغ من نيويورك إن هذا النوع من رد الفعل من قبل المجتمع الإسلامي « شائن». ونظمت الجماعات الإسلامية في السابق برامج توعوية في أنحاء البلاد حول الحقوق القانونية للفرد مثل متى يتوجب عليه أن يبرز بطاقة هويته للشرطة ومتى يستطيع الامتناع عن الإجابة على أسئلة الشرطي. ووضع فرع لمنظمة أمريكية إسلامية في كاليفورنيا أعلانا على موقعه الالكتروني يحذر فيه المسلمين من التحدث لرجال مكتب التحقيقات الاتحادي « اف بي آي». وطلبت المنظمة من الفرع إزالة الإعلان من الموقع. وفي نيويورك ، أثارت تحقيقات وكالة الاسوشييتد برس حول شرطة نيويورك ومعها وثائق الشرطة المحلية حفيظة بعض المسلمين ووفرت الدليل على التكتيكات التي يقولون إنهم يشكون في أنها تستخدم في مراقبتهم. وعملت هذه التحقيقات على تكثيف برامج التوعية في نيويورك. وطلبت مطوية وزعتها مؤخرا كلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك المسلمين أن يتوخوا الحذر تجاه أي شخص يؤيد ارتكاب أعمال عنف ضد الولاياتالمتحدة أو يتحدث حول المنظمات الإرهابية، أو يكون غاية في الكرم أو عدوانيا في ردود أفعاله. وتقول المطوية إن مثل هذا الشخص قد يكون مخبرا يتعاون مع الشرطة. وجاء في المطوية أيضا،» كن غاية في الحذر في الاتصال بالشرطة. فإذا كان الشخص مخبرا فان الشرطة لن تفعل له شيئا. أما إذا لم يكن مخبرا وأبلغت عنه فان النتائج المترتبة على ذلك قد لا يحمد عقباها.» التجسس أفسد الثقة بين شرطة نيويورك والجاليات المسلمة وهذه الشكوك العميقة في الشرطة تؤثر في العلاقة بين المجتمع الإسلامي وبين كافة مستويات جهات تطبيق القانون فيما يتعلق بالعديد من المسائل، وليس في ما يختص ببرامج شرطة نيويورك الخاصة بمكافحة الإرهاب فحسب. فالتفاعل مع ناشط إرهابي حقيقي قد لا يتم الإبلاغ عنه لجهات تطبيق القانون على افتراض انه قد يكون عميلا تابعا لشرطة نيويورك. وقد لا يضع احد ضحايا العنف المنزلي أو العنف في الشارع ثقته في الشرطة إلى حد انه قد يمتنع عن نشدان عونها. ويقول عميل «الاف بي آي» المتقاعد دون بوريلي إن جمع المعلومات الاستخبارية أمر مهم بالنسبة لعمل الشرطة وليس فقط في ما يتعلق بالإرهاب وحده، غير أن هذه المهمة قد تخفق تماما متى ما شعر الناس بان حقوقهم تتعرض للانتهاك. ومنذ هجمات 2001 الإرهابية ، قضي المسؤولون في شرطة نيويورك ورجال تطبيق القانون الفدراليين سنوات في بناء جسور العلاقات مع الجالية المسلمة في نيويورك وطمأنوا العديد من المسلمين بأنهم يعتبرون شركاء في الحرب التي تشنها المدينة ضد الإرهاب. غير أن العديد من أعضاء الجالية الذين أشيد بهم على أنهم شركاء ، بل وتناولوا الطعام على موائد العمدة مايكل بلومبيرغ تعرضوا للتعقب سرا من قبل رجالات شرطة نيويورك وتعرضت مساجدهم للتجسس، وفقا لوثائق سرية خاصة بشرطة نيويورك حصلت عليها وكالة الاسوشييتد برس. وتقول الجماعات المسلمة في نيويورك أنها عقدت العشرات من الاجتماعات للأشخاص الذين ينتابهم القلق من مراقبة الشرطة لهم ومن برامج مكافحة الإرهاب . وفي إحدى الاجتماعات أدى احد طلاب القانون دور مخبر بينما لعب طالب آخر دور شخص مستهدف من قبل المخبر. وكان الهدف إرشاد المسلمين حول كيفية رصد المخبرين. ويوجه روبين غوردون ليفيت، عضو منظمة ناشطة في مجال توعية المسلمين نصائح قائلا،» ابتعدوا تماما عن امثال هؤلاء الناس .هذا اهم شيء يمكنك فعله.» وفي اجتماع آخر نظمه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية ( كير)، شاهد الطلاب فيلما لاثنين من الممثلين يؤديان دور عميلين للاف بي آي وهما يستجوبان مسلما شابا داخل منزله. وتم خلال الاجتماع تحذير الطلاب من عدم التحدث إلى الشرطة حتى إذا طلب منهم آباؤهم أو أئمتهم أو رجالات الدين التعاون. وفي هذا الصدد يقول سايروس ماكغولدريك، مدير شعبة الحقوق المدنية بمنظمة كير في نيويورك،»قد تسمع الإمام يقول ،» طالما أنني أطيع القانون فلن يكون شيء أخاف منه. ولكن هذا لا ينطبق على أرض الواقع.» والعلاقات بين منظمة كير وجهات تطبيق القانون متوترة للغاية إلى حد أنها اتهمت بتمويل إحدى العمليات الإرهابية. وترغب الجالية المسلمة في قيام لجنة مستقلة تتولى التحقيق في مجمل عمليات شرطة نيويورك ووكالة الاستخبارات الأميركية ( السي آي إيه) داخل المجتمع الإسلامي.