نعم انه أبي، رجل ليس كأي رجل.. أب بطيبته، بحنينه، باهتمامه، بمحبته لنا.. أبي بصمته في كل مكان، ووجوده في كل زاوية. رحل عنا.. ومازالت نظراته في مخيلتي، رحل عنا، ومازالت خطوات قدميه اسمعها في كل وقت وحين. رحل عنا، ومازالت ابتسامته وطيبة أخلاقه وعلوها وصيته الطيب يذكرها القاصي والداني. لم أتخيل يوماً إني سأفقد هذا الرجل. لم أتخيل ساعة ان افقد سماع اسمي على لسانه. لم أتخيل دقيقة ألا أتحدث إليه ونتمازح معه. لم أتخيل أني سأفتقدة... لكني أفقدته..بل افتقده الكثير.. افتقدته ومازلت لم استوعب رحيله عنا.. لست أنا فقط، بل كلنا افتقده صغيراً وكبيراً، قريباً وبعيداً. نعم هو أبي افتقده كل شيء. افتقدته طرقات الحي وهو يمشي بخطواته إلى المسجد. افتقدته أنحاء ذلك المسجد. افتقدت صوته عندما يؤم المسلمين في الصلاة. افتقدت سفرة الإفطار يومي الاثنين والخميس. عندما يؤذن المؤذن للصلاة تظهر لي صورة أبي وهو يقف بكل شموخه استعدادا للصلاة، وذكر الله وتسبيحه وتهليله يرطب لسانه. عندما يؤم المصلين فأني اسمع صوتاً مميزاً، صوتاً يختلف عن الآخرين، تلاوته تلك الآيات فيها تميز بصوته الذي تشعر بأن الدنيا كلها تنصت له. أراه في كل لحظة في أرجاء البيت الذي عمر بوجوده وذكره. أراه في كل مكان كان يجلس فيه. أرى مكانه على سفرة الطعام التي افتقدناها جميعاً ولن يسد احد مكانه. نعم.. هو أبي، هو سندي، هو مربيتي، ومشجعي. هو من افتخر باسمه في كل حين ووقت. هو من سألني عن اسمي أجاوب وبكل فخر "بنت عبدالعزيز". حزن عم أرجاء حياتي كلها. الم اعتصره داخل قلبي وظل ساكناً داخل حنايا جسدي. لم احسب لرحيله أي حساب، كنت أظن انه سيبقى لنا ولي دوماً وابداً. ظننت انه سيبقى معي ليساعدني على تحقيق حلمي وطموحي. لكنه رحل من دون سابق إنذار، رحل وتولاه رب العزة والجلال. يارب رحل عنا أبي فتوله برحمتك ومغفرته وعفوك ورضاك. وأطل في عمر والدتي ورزقنا برها ورضاها. "اللهم أفسح لأبي في قبره مد بصره، واجمعنا به في جنات النعيم مع المتقين. اللهم اجعله ينعم بالجنان في جنات الفردوس".