الحوار ( بشرط عدم تحريف أو الاستخفاف بالرأي الآخر) هو الأساس للتوصل الى معرفة الخطأ من الصواب وبالتالي تصحيح الأخطاء والسير في الطريق الصحيح. لذا فإن إبداء طرف لرأيه يجب أن لا يفهم بأنه هجوم على الطرف الآخر لمجرد الاختلاف في الرأيين. بعض المواضيع قد تبدو بسيطة ولا تستحق الحوار بينما لو تعمقنا في التفكير بها لاكتشفنا أن كبتها قد يكون بمثابة مستصغر الشرر الذي تشتعل - فجأة - منه النيران. الحوار المفتوح في المواضيع الاقتصادية هو واحد من أهم (ان لم يكن الأهم) محاور الحوارات التي يجب تشجيعها وفتح المجال للمتخصصين لنقاشها بشكل علمي في وسائل الاعلام. لكن يبدو أن البعض يكيل بمكيالين فإذا كان الحوار هزيلا يتستر ( أو يضفي) على العيوب صفة الإنجازات يحظى بالدعاية والاستمرار، أما اذا كان الحوار مفحما لأحد الطرفين يبدأ الطرف الذي تنقصه الحجة الى تشتيت الموضوع بتحويله من نقاش اقتصادي علمي - مثلا - الى اعطائه طابعا سياسيا أو حتى إضفاء صفة المؤامرة المدبّرة من أعداء لا وجود لهم الا في الخيال. ارجو ان لا يفهم من كلامي انني غاضب من الشخص المجتهد الذي وصفني بالمطبل لنظرية ذروة البترول التي تسبب خطرا كبيرا على الاقتصاد السعودي (على حد تعبيره) بل العكس أنا أشكره لأنه يتيح لي فرصة ثمينة ليس من أجل تبرئة نفسي من التطبيل (سيتّضح أدناه من الذي يطبل للآخر) بل من أجل أن اصحّح خطأ المعلومات التي قد يصدقها بعض من يقرأ مقاله (لا سيما أصحاب القرارات كالمجلس الأعلى للبترول) فيتصوّر فعلا ان نظرية ذروة هابرت (ذروة البترول) تستهدف - وبالتالي تشكّل خطرا كبيرا على - الإقتصاد السعودي بينما الواقع ان نظرية ذروة البترول هي حقيقة مؤكدة تنطبق على جميع حقول البترول في العالم وهي بالتأكيد - لو أحسنا استغلالها - في صالح اقتصاد المملكة. يقول الكاتب الفاضل بالحرف الواحد: «ظهرت هذه النظرية للوجود بعد آثار أزمة النفط عام 1973 عندما اوقف الملك فيصل رحمه الله تصدير البترول». للأسف الشديد هذه مغالطة واضحة لا يمكن ان يلجأ اليها اي شخص لديه اي معلومات عن شؤون البترول فنظرية ذروة البترول أوجدها الجيولوجي King Hubbert عام 1956 (اي ما يقارب العشرين سنة قبل المقاطعة عام 1973 بل حتى قبل تأسيس منظمة أوبك عام 1961) وهذه النظرية ما زالت تنسب اليه باسم Hubbert's Peak. لقد كان هابرت يعمل في شركة البترول Shell ولاحظ اثناء عمله في انتاج البترول الأمريكي (وليس بترول اوبك) ان جميع حقول البترول تسير على وتيرة واحدة تبدأ بالزيادة تدريجيا الى ان تصل الى الذروة ثم تبدأ بالانحدارعلى شكل الجرس المقلوب فطبّق هذه الوقائع الحقيقية للتوقع بتاريخ وصول بترول امريكا الى الذروة فوجده ما بين الأعوام 1968 - 1970. ثم طبقه للتوقع بتاريخ وصول احتياطي بترول العالم للذروة ووجده مابين الأعوام 2000 - 2005. في البداية طلبت شركة البترول التي يعمل فيها من هابرت عدم نشر نتائجه وعندما لم يستجب لرغباتها بدأت شركات البترول تنفي نظرية الذروة ولكن لم يلبث الأمر طويلا حتى تحقق ما توقعه هابرت فبعد ان كان انتاج بترول امريكا عشرة ملايين برميل في اليوم (اعلى انتاج في العالم) بدأ الانخفاض تدريجيا منذ عام 1970 (تماما كما توقع هابرت) الى ان وصل الى اقل من خمسة ملايين برميل رغم لجوء امريكا لاستغلال بترول الاسكا الذي لم يدخله هابرت في حساباته. هذه النتيجة ( وصول البترول الأمريكي الى الذروة في التاريخ الذي حدده هابرت) جعلت من هابرت أشهر جيولوجي بترول في العالم وبدأ المتخصصون - كاسبو - في جميع انحاء العالم يتساءلون هل سيتحقق توقع هابرت بوصول ذروة انتاج بترول العالم ما بين الأعوام 2000 - 2005 كما تحقق توقعه بالنسبة لإنتاج بترول ال 48 ولاية أمريكية التي شملتها دراسة هابرت. أما وصفي شخصيا بالمطبل لآسبو فإن ASPO تأسست عام 2000 بينما أنا سبقتهم بأكثرمن أربعة عشر عاما في حساب ذروة بترول المملكة والجزائر في جزء صغير من احد فصول رسالتي للدكتوراه مستخدما البلاتو (وهي الطريقة المستخدمة الآن) بدلا من الجرس فإذا كان أحد يطبل للآخر فبحكم الأقدمية هم الذين يطبلون لي ولست انا الذي اطبل لهم. في الحلقة القادمة - ان شاء الله - سنرى هل تحققت توقعات هابرت بالنسبة لذروة بترول العالم بين الأعوام 2000 - 2005 أم لم تتحقق؟