دخل بعض الكتاب والصحفيين السعوديين على التويتر. أسماء معروفة على مستوى الكتابة في الصحف الرسمية. معظمهم من النوع الذي يؤمن بحرية الرأي وسبق أن كتبوا عن الحرية مقالات ومطالبات ومرافعات. سبق أيضا أن انتقدوا وجود الرقيب في الصحف. أنشدوا على صفحات الجرائد أغاني أطربت الجميع في مديح العصر الجديد الذي يفتحه التويتر والفيس بوك والمواقع الاجتماعية الأخرى. أعلنوا أن عصر الرقيب انتهى. سذجوا (من سذاجة) الجهات الرسمية التي مازالت تشتغل في مهنة الرقابة، دفعوا بها خارج العصر والعقل.. نادوا بفلسفة (من البقرة إلى المائدة) دون المرور على الخض والسقا ولا حاجة حتى للبسترة. الكاتب يتحمل مسؤولية ما يكتبه. انتصب هذا الشعار حتى بلغ ذرى النجوم. استعرض ما يكتب في التويتر. لم ألمس أي إضافة للحرية التي نطالب بها في الصحف. حتى لغة المجاملة والتعابير الوقائية التي يضطر لها الكاتب عادة في الصحف للتلميح إلى موضوع حساس ضلت على ما هي عليه في التويتر. الفرق بين (كلمة) التويتر الصغيرة وبين المقالات في الصحف بقي فرقا في الحجم فقط. لم تنقل المواضيع نفسها فقط بل نقلت أيضا المجاملات والمداراة واللغة الملساء الزلقة. لم أقرأ بين كثير مما قرأت موضوعا واحدا يمكن منع طرحه في الصحف. لا تشعر أن التويتر أطلق ولو قليلا من الحرية أو شيئا من الخيال. من الصعب تحليل هذه الظاهرة. لكن يمكن الدفع بالقول، مع كثير من التسامح، أن التويتر المكان الخاطئ لإطلاق الرأي أو بناء الحرية. له مفهوم آخر. تكنولوجيا التويتر أعدت للتواصل الاشاري والإحالة. تخدم الأصدقاء وأصحاب الأعمال المشتركة والمنظمات والمشاهير للإحالة إلى مقالات وحوادث وأخبار ساخنة وربما كتابة بعض الحكم كما أفعل. نجحت هذه التكنولوجيا قليلا في إيران إبان الثورة على نظام الملالي قبل سنتين وبها اكتسبت قيمة اخبارية عالمية، لكنها لا يمكن أن تكون مكانا للحوار بين كتاب يقودون الرأي في مكان آخر. ستخدمهم هذه التكنولوجيا بالإحالة لمقالاتهم ومدوناتهم للإشهار المستمر شريطة أن تتوفر فيها ما يمكن الإحالة إليه. نشطت في السنوات القليلة الماضية المنتديات وعدت مكانا للبدء بالحرية إلا أنها انهارت بسبب طبيعتها التعتيمية. لم تضف تلك المنتديات أي قيمة نوعية للحرية، الرأي لا يقوده من يتحرك في الظلام. يمكن التصريح أن الحرية قيمة اجتماعية تعبر عن نفسها (إذا وجدت) في المدى الذي اكتسبته على أرض الواقع. إذا كانت المقالات في الصحف محكومة بنظام الرقيب العتيد فالمدونات فضاء لا يحكمه سوى شجاعة الكاتب وإيمانه بالحرية. سيقع كاتب المدونات الذي يدون باسمه الصريح بين مطرقة الحرية المفتوحة على فضاء موحش وبين سندان مصالحه المرتبطة بأصحاب القيود على الحرية. هنا يبدأ العمل ويأتي السؤال: ما حجم القيد الذي يضعه عليك مراقب الصحف ومراقب الأجهزة الحكومية مقارنة بمقدار القيد الذي تضعه عليك مصالحك؟، ما مقدار الحرية التي تنادي بها في كل المناسبات وتشعر أن رقيب الصحف خنقها في وعيك؟ في المدونات لا في التويتر يتم الانتقال من بهاء التنظير والاتهامات إلى اختبار حقيقة الإيمان عندما تتاح له فرصة العمل.