تعرضت جدران بيروت منذ تم الاعلان عن اعتماد قانون العام 2000 للانتخابات النيابية، تعرضت هذه الجدران لحملات غزو منظمة من قبل الأجهزة المعنية بتسويق المرشحين للمقاعد النيابية، من خلال الصاق صور هؤلاء المرشحين على هذه الجدران وكذلك شعاراتهم الانتخابية البراقة التي تستعاد بحسب المناسبة كل اربعة أعوام، وهي في غالبيتها شعارات تكشف النهج السياسي الذي يؤمن به المرشح ويصطف الى جانبه عدد من اللبنانيين من أبناء مدينته أو حزبه السياسي. ومن دون الدخول في لعبة الصور التي غالبا هي لأشخاص لا يتمتعون بالحد الأدنى من الوسامة، خاصة من الطبقة السياسية القديمة التي لم يغزوا رؤوسها الشيب فقط ولكن ترك الزمن ملامحه وتغضناته على وجوههم المبتسمة بالقوة. والكاريكاتورية في غالبها. وعلى حد قول واحدة من السيدات التي يهمها وصول أشخاص يتمتعون بالوسامة، فان طلب معظم اللبنانيين اليوم يتلخص بوصول طبقة سياسية جديدة لم ينخر سوس الزمن أجسادها المترهلة. وفي الوقت الذي يعتبر هذا من المطالب المحقة والأساسية في لبنان اليوم، فان دعوات كثيرة وجهت من جمعيات اهلية دعت المرأة الى النزول الى المعترك السياسي ليس ترشحا للمقاعد النيابية فقط بل للتصويت للمرشحين الذي يأملون من خلالهم ايصال أصواتهن الى قلب البرلمان وبالتالي الخروج بقوانين تطال حقوق المرأة وكيانها السياسي. وتمثلت هذه الدعوة بحملة دعائية توزعت على كامل الأراضي اللبنانية تحمل شعاراً يطالب المرأة بممارسة حقوقها الوطنية وممارسة مواطنيتها من خلال النزول الى مراكز الاقتراع والتصويت، أحد هذه الشعارات يلغي بالكامل ذكورية السياسة ويدخلها في نسق أنثوي تحضري يلعب على مفردات اللغة العربية التي تحتمل التأنيث أكثر بكثير مما تنحاز الى الذكورة فيقول (السياسة مؤنث شاركي بالقرار السياسي) وهذه الدعوة تحل محل دعوات قديمة مطالبة بالكوتا النسائية في الحصة الاجمالية لاعضاء البرلمان الجدد. لكن، وبعيداً عن موضوع المرأة ومطالبتها بحقوقها السياسية التي أول من فعلها داخل الحياة السياسية اللبنانية في مرحلة ما بعد الطائف كان الرئيس الحريري، الذي بدأ مع ادخال شقيقته السيدة بهية الحريري الى المعترك السياسي البرلماني الديمقراطي، وادخال الدكتورة في التكنولوجيا الحديثة غنوة جلول في بيروت منذ خمسة أعوام. فان الانتخابات الحالية التي تبدأ (اليوم الأحد) في بيروت، تحمل الكثير من المفارقات المضحكة. فالحياة الديمقراطية التي تستقيم فعلياً في وجود عدد كبير من التيارات السياسية المتنافسة على المقاعد النيابية، فان هذه التيارات الجديد منها والقديم لا يتحلى بالقدر نفسه من النزاهة والاخلاق في تقييم العملية الانتخابية قبل حصولها. فالشعارات التي يرفعها تيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري اختصرت بكلمة واحدة هي (معك) مضافاً اليها كلمة (الحقيقة) كدليل على ان النواب الذي ينضوون في كتلته سيبقون رافعين شعار كشف الجريمة التي أودت بحياته وعلى عهدهم متمسكين بالانتماء الى العروبة وتحقيق خطته الاقتصادية التي يدير دفتها من بعده ولده سعد الدين رفيق الحريري الذي برز في الأيام الأخيرة كواحد من أبرز اللاعبين السياسيين في البلد الى جانب حلفاء والده الشهيد وأبرزهم النائب والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وهو أحد أكثر السياسيين اللبنانيين صيتاً في العالم. ويحمل تيار الرئيس الحريري الذي قتل في قلب بيروت قبل نيف وثلاثة أشهر أفكاراً لا تنتهج الطائفية الضيقة بفضل فكر صاحبها القومي والعروبي المتنور، الذي يقف الى مقابل افكار عروبية تعتمد القومية كشعار لتحقيق مكاسب سياسية لا تأخذ البلد نحو سلم حقيقي بقدر ما تأخذه نحو هلاك لا يحتاج تحققه سوى الى القليل من الصدامية. هذه القوى التي كانت أساساً مشاركة في فترة الحرب الأهلية، لا تزال تلوك شعارات قديمة لا تنتمي الى العالم المعاصر ولا الى الواقعية السياسية التي يعيشها العالم اليوم. فقد وجهت الاتهامات من أطراف سياسية كثيرة متضررة ولا يمكنها الوصول الى السدة البرلمانية، روجت شعارات تتهم الولاياتالمتحدة بالتدخل المباشر في الانتخابات من خلال فرضها بالقوة. فالمؤتمر الشعبي اللبناني الذي يقوده شخص ناصري تقلب كثيراً رفع الى جانب أحد المساجد في قلب بيروت يافطة تشير الى هذا التدخل تقول (برلمان ديك تشيني والدجاجة رايس اطاحة بالاستقلال والعروبة) والشعار اذ يشير الى التدخل يرفع مبدأ الاستقلال من حيزه الجغرافي الى مداه الدولي مطالبا بخروج لبنان الفعلي من المنظومة الدولية وحصره في كيانات ضيقة هامشية منزوية لا حول لها ولا قوة. واذ لا يخفي معظم اللبنانيين التدخلات التي قام بها سفيرا الولاياتالمتحدة وفرنسا في الحفاظ على المواقيت الدستورية للانتخابات درءاً لأي خلل دستوري، فان هؤلاء ينتهجون الفكر العقلاني الذي تسببت به الأطراف التي كانت وراء رفع الغطاء السياسي عن الرئيس الحريري ما أدى الى اغتياله في وضح النهار. تعيش اليوم بيروت، حالة من حالات الحراك السياسي المجتمعي الدستوري الذي حتما سيفضي الى طريق تمهد لقيام لبنان جديد، وهو اللبنان الذي يريده ويطمح اليه كافة اللبنانيين دون النظر الى لعبة الشعارات التي بقدر ما تحمل برامج سياسية تحمل أيديولوجيات وأفكار تضفي على هذا الحراك الكثير من الحس الوطني العام. ويبقى الشعار الأطرف هو ما قيل عن سعد الدين رفيق الحريري الذي يأمل البيارتة في أن يكون هو (وجه السعد).