مدت الجدة يدها المعروقة وتناولت جوالها .. بعدما حاولت تجاهل رنينه المتكرر فهي تتابع مسلسلها الخليجي المفضل .. الو .. الو كررتها اكثر من مرة .. سمي .. ياهلا .. الله يمسيك بالخير يابنيتي .. لا سعاد مع والدتها في المشغل .. حاولي .. اتصلي على جوالها مرة ثانية .. ماترد على الجوال . لا ابداً اول شيء تسويه تسدد فاتورة جوالها . الله يهديك ويصلحك يابنيتي معقوله جوالها مقطوع .. قولي كلام غير هذا .. طيب حاولي تدقين عليها يمكن يبنيتي اخطأت في النمرة .. ؟! ابشري إن شاء الله أبلغها لا تنسين تسلمين على الوالدة تراها مقصرة، لنا كم يوم ماشفناها ولا حتى اتصلت تسأل .. أعرف يابنيتي .. أعرف كلنا مشغولات هذه الأيام بالاستعداد للعيد .. مع السلامة .. ووضعت الجوال جانبا وراحت تداعب حبات سبحاتها الفيروزية .. وهي تتابع المسلسل .. اعتدلت في جلستها وهي تردد بينها وبين نفسها معقولة جوال سعاد مفصول .. قبل ما تروح المشغل كانت متصلة عليهم .. الله يجعله خير .. ؟! وفجأة دخلت ابنتها أم سعود وحفيدتها سعاد وكلاهما تحملان أكياسا متعددة زاخرة بالفساتين .. وضعتا الأكياس التي تحمل الماركات العالمية على طرف مقعد الصالة الأول ونزعتا عباتيهما .. واتجهتا اليها وقبلتا رأسها وألقتا عليها تحية المساء .. وفي تلك اللحظة وقبل أن تجلسا إلى جوارها قالت الجدة وهي تخاطب ابنتها : معقولة كأنكم تأخرتم كثير .. هذا هو المسلسل الثاني اللي أشوفه وأنا انتظركم .. حتى بنت عمتك هدى اتصلت على جوالي تسأل عنك وتقول إنك ماتردين .. ؟! اذكرإنها قالت يمكن إنك ماسددتي فاتورتك .. والشركه ماشاء الله جاهزة .. ما تخلي الواحد يشوف ويبصر .. طول عمرنا نسدد لهم فواتيرهم ولو تأخرنا يوم .. ياويلنا ياسواد ليلنا .. ؟! قالت ذلك بحدة .. ثم تثاء بت وراحت تطالع ساعة الصالة .. الساعة صارت تسعا . وأنا ماأخذت دواء الضغط والسكر .. ؟! ياالله بسرعة ياسعاد ياحبيبتي بلغي الخدامة تجيب عشائي .. سمعت ذلك سعاد وقامت وهي تنظر إلى شفتي جدتها وهما تخرجان كلمة ياحبيبتي .. وبعفوية اقتربت منها وأمسكت بيدها وقبلتها وقالت ياحلو حبيبتي في فمك ياجدتي .. بس بقولك شيء قبل ما أروح المطبخ أنا جوالي كنت حاطته على الصامت .. كنت مشغولة بالقياس .. والمشغل تقولين خلية نحل .. ماشاء الله .. مالك مكان توقفين فيه .. الغريب إننا جميعا مانقرر نفصل أو نخيط أو نعدل أو نوسع إلا قبل العيد بأيام .. حتى أمي ما استطاعت توجد لها مكانا تنتظر فيه .. إلا في الطرقة بجوار المصعد . صحيح ياجدتي الحياة حظوظ وأرزاق .؟! استرخت الأم في مقعدها بجوار والدتها وهي تتنفس الصعداء وقالت : كلام سعاد ياامي صحيح مالك موطأ قدم في المشغل .. ولولا أن صاحبته معرفة من يوم الدراسة ما كانت قبلت تقوم بتعديل فستان سعاد .. من فرط الزحمة والضغط عليه .؟! قالت الجدة وهي تمد يدها لتأخذ فنجان القهوة التي ناولتها أياه ابنتها: الحمدلله .. وإن شاء الله قيمة التعديل ماهو كثير .. أسمع أم حمود جارتنا تقول: إن المشاغل صارت أسعارها نار .. ؟! نعم يا أمي كلام أم حمود صحيح تصدقين أجرة تعديل بسيط ماخذين ثلاث مائة ريال . هذا ولنا خصم علشان معرفتنا بصاحبته . فغالت الجدة مستغربة .. : غلطانة يابنتي .. تعديل بهذا المبلغ أجل لو كان تفصيل كم بياخذون .. ؟ حدثي ولاحرج.. ماهذا الظلم؟! والأسعار.. كان الله في عون اللي يحتاج يفصل عندهم .؟! ثم صمتت .. وبعدها قالت كأنها تذكرت شيئا ..: تصدقين يابنتي إني وأنا في عمر سعاد كنت أفصل فساتين العيد لنصف إذا لم يكن لكل بنات الفريج .. وآخذ على الفستان خمسة ريالات .. تذكرين نخلنا في الشراع ترى نص قيمته من دخل شغلي على ماكينة الخياطة .. دخلت خير أيام شبابي .. كنت أخيط .. وأغسل .. واكنس البيت .. واطبخ الغداء . واحلب البهايم .. وأنا حامل بك .. كان اليوم يمضي ولا نحس به .. ومن بعد صلاة العشاء .. تجديننا خامدين في فرشنا مهدودين من التعب .. كل اللي يسليني بعض حريم الفريج .. بعضهن الله يرحمهن ويسكنهن الجنة .. بصراحة مايقصرن يساعدنني .. في تنظيف العيش العنبر .. أو حلب البقر . بلقمتهن .. وأنا صاحبة الفضل عليهن . وراحت تروي لها بالتفصيل بعض الجوانب من حياتها في بيتها الكبير وكيف واجهت الصعاب والتحديات .. قصت عليهما ذلك بدقة .. غفوة من التعب قالت سعاد وهي تحمل صينية الاكل لجدتها: ماشاء الله ياجدتي وين شركات الإنتاج تنتج لك مسلسل ..عن حياتك الثرية .. تعرفين من تقولين له الحكايات والقصص الزينة .. الله يخليك جدتي ماسمعت إلا الشيء البسيط من حكايتك في الماضي والخياطة .. لو أنا أعرف أنك ماهرة في الخياطة .. كان وفرنا التعب .. وبقيمة فستان شرينا ماكينة .؟! فقالت ابنتها : حياتنا يا أمي كسل .. واستسلام .. ومصاريف بالهبل . ودفع فواتير .. ؟! ماشاء الله حياتكم في الماضي .. حياة كفاح وعمل وشقاء.. فقالت الجدة وهي تعدل من وضع نظارتها: ياحلوها من حياة الله يرحم أبوكم كان رجال مافي مثله.. من فجر الله وهو يركض في طلب الرزق.. ماعمره كسل أو تذمر أو اشتكى .. كان يحب يعمل ومع أنه ماتعلم إلا عند الشيخ ياسين .. إلا أنه يعتبر من أصحاب الخط الجميل .. أغلب أهل الفريج .. يحضرون لمجلسه كل مغربية .. يكتب لهم رسايلهم لأولادهم أو معارفهم أوحتى لأعمالهم .. وبصراحة البعض ما كان يقصر معه .. ترى نخلنا في الشراع من قيمة خياطتي وكتابته للرسايل. وبقية المبلغ نسدده كل سنة .. مع محصول التمر والليمون كل سنة والآن يابنتي أسمع إنه الآن يسام بالملايين .. هذا من فضل الله عزوجل وبركة العمل والتعب.. ضحكت سعاد وقالت: لاتنسين ياجدتي ماكينة الخياطه، نظرت إليها جدتها معاتبة وقالت وهي ممسكة بعصاها الابنوسي': بلا سخرية يا سعاد ..ماكينة الخياطة هي اللي أسست لكم ها الخير اللي أنتم عايشين فيه .. ولا جدك الله يرحمه من يوم خسر أيام الحرب الكبيرة .. اللي أكلت الأخضر واليابس .. وهو طايح في البيت ولولا الماكينة وتعبي كنا في خبر كان .؟! ثم أضافت وهي تتناول ملعقة من الزبادي : قبل يومين من العيد .. جاتني سيدة من بيت كريم من أهل السياسب بالمبرز وقدمت لي قطعتين من قماش الموسلين اللي عمري ماشفت مثله .. وطلبت مني أفصل لها فستانين لها ولشقيقتها علشان العيد .. ورغم أن الوقت ضيق .. إلا أنها سلمت لي القماش ومعاه جنيه ذهب .. أي والله يابنتي جنيه ذهب .. وبصراحة استحيت منها، وما استطعت إلا القبول .. وتركت لي فكرة الشكل .. وحرية التفصيل .. ويعلم الله اني من لحظتها أنهيت كل الفساتين اللي عندي للحريم .. وطلبت من جارتنا تساعدني تمسك أميمتك .. كانت في ذلك الوقت تحبي .. وخفت عليها إني أنشغل عنها وتروح للجليب .. ؟! والحمدلله قبل صلاة العشاء أنهيت تفصيل وخياطة الفستانين .. وعادت المرأة لاستلامهما في نفس الموعد .. فلم تصدق .. وسلمت لي جنيه ذهب ثانيا وقطعة قماش موسلين هدية منها تقديرا لما قمت به وإنني كما قالت أنقذتها من موقف حرج فلديها مناسبة في العيد وبحاجة ماسة هي وشقيقتها للفستانين .. وكانت قد سمعت عني .. وهذا يا بنتي من بركة الله .. ثم تعب جدتك.. ولوقلت لكم أنه أحيانا أغفو على الماكينة من التعب .. يمكن ماتصدقون ..؟!