حج وعباده.. أداء مناسك.. صلة رحم.. موسم الحج لدى البعض يتعدى ذلك ففي هذه المناسبة العظيمة تتجلى روح التعاون والكفاح لدى الأسر المنتجة التي تكسب رزقها من العمل «الحر»، مرسخة بذلك عقود من الكفاح، فهذه الأسر هي امتداد للعديد من الأجداد، حيث كانوا يستنفرون خلال الأشهر القريبة من الحج بإنتاج ما يحتاجه حجاج بيت الله الحرام من مواد كالأحرمة والسجاجيد والعمائم والسبح والأطعمة، ومع بدء أيام الحج تنتقل هذه الأسر التي تعيش في الغالب في جدة والطائف والمدينة والقرى المجاورة الى مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة بحثا عن الحجاج لتقوم بعرض هذه المنتجات عليهم، هذه المواد تتعدى في الغالب الملبس فهناك العديد من الأطعمة الشعبية مثل المعمول والغريبة والكعك والعيش الحب. اللافت في الأمر ان جميع أفراد العائلة يتقاسمون المهام فالنساء مشغولات في الإعداد للوجبات والشبان يتسابقون على بيع المياه وبعض الأطعمة، بينما يتفرغ الأطفال الصغار لمشاهدة هؤلاء وهؤلاء، الجميع يعمل بكفاح يدا بيد في خدمة ضيوف الرحمن. ومع مرور الوقت وتطوير عمليات البيع والشراء انتقلت بعض هذه الأسر إلى مكة وأخذت التصاريح الرسمية لممارسة البيع في المشاعر المقدسة، الاستاذ رويبح الحربي ينتمي إلى إحدى هذه الأسر فعائلته تقوم ببيع المشالح والعمائم والبسط يقول: كان جدي وأبي رحمهما الله من سكان قرية تقع بين جدة والمدينة وكانوا يقومون بإهداء الحجاج المقربين والقادمين من خارج المنطقة بعضا من ما تخيطه أياديهم ويحملونها معهم بعد أداء الحج هدايا لمن يودون وكنت أساعد أبي وجدي في تجهيزها وحملها معهم فإن جاء الحجاج الى قريتنا قدمنا بعضا منها هدايا، ويضيف مع تطور وإزدياد اعداد الحجاج اصبحت العائلة تبيع بعضا من المنتجات ،الأمر الذي تطلب إنشاء «دكان» صغير لعرض ما تقوم العائلة بانتاجه. من جانبها أكدت زوجة رويبح «أم سلطان» انها تزوجت في سن صغيرة وان عائلتها ايضا عملت في صنع الألبسة الرجالية والنسائية وتتذكر ان قماشا لونه أخضر أو أبيض من قماش الزبدة او القطن او البوال وأنهن يقمن بتفصيله وخياطته فضفاضا ويتبعنه بمحرمة من نفس القماش وشراشف مطرزة بالخيط الحرير الهاديء. انتاج هذه الأسر لم يقتصر فقط على الملبوسات فوالدة سامي المديني تقوم ببيع المعمول والغريبة والكعك خلال موسم الحج، والتي أكدت ان المعمول والغريبة والكعك أطباق محبوبة ومعروفة لدى الأسر في المنطقة الغربية وخاصة مكةوجدة والمدينة والطائف، حيث إن الأمهات والجدات كن يقمن بصنع أطباقها للضيوف قديما، وشرحت انها تصنع من الدقيق والسمن والتمر يضاف اليهن البهارات الشعبية مثل الشمر والمحلب والحبة السوداء لتضفي نكهة شعبية لذيذة بالاضافة الى أنها تحتوي على سعرات حرارية تدفئ وتشبع من يتناولها ومع حلول موسم الحج. وللشباب أيضا طرقهم الخاصة في كسب لقمة العيش، حيث يؤكد محمد الحازمي انه وأشقاءه يعملون خلال مواسم الحج والعمرة الى جانب والدهم في طهي البليلة والبطاطس والكبدة والسلي «التقاطيع» مشددا على ان الحجاج يعشقون الأخيرة أكثر ويتسابقون على تناولها إذا شعروا بالجوع موضحا ان والدته تقوم بتجهيز ما يحتاجونه منذ الصباح الباكر وبعد حصولهم على تصاريح من البلدية يتجهون الى الأماكن المخصصة لبيع الأطعمة في المشاعر ويقومون بطهي الأطعمة الطازجة في أوان نظيفة معقمة تحظى بمرور مفتشي البلدية. وقد مضى على عملهم هذا أكثر من عشر سنوات وما زالوا يمارسون بيع هذه الأطباق الشهية التي عرف بها أهالي المنطقة الغربية في المواسم العظيمة.