تأتي هذه الأحداث ُ في وقت تلفظ فيه الأوطان زعماءها ورؤساءها الذين أظهرت لهم شعوبهم البُغض والكراهية وتفجرت في شوارعهم مسيرات الغضب على ما أصابهم في ظل حكمهم من جوْر وطغيان ٍ وفساد ، وقد بادر هؤلاء الزعماء شعوبهم كراهية ً بمثلها في الكتاب العظيم الذي كتبه السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى ديوان الخلافة ببغداد مبشراً بفتح بيت المقدس، وهذا الكتاب من إنشاء العالم والكاتب الكبير جليل القدر عماد الدين الأصفهاني المعروف ب ( العماد الكاتب الأصفهاني ) افتتحه بقوله : " الحمد لله الذي أنجز لعباده الصالحين َ وعدَ الاستخلاف ، وقهر بأهل التوحيد أهلَ الشرك ِ والخلاف ، وخصّ سلطانَ هذا الديوان ِ العزيز ِ بهذه الخلافة ، ومكّن دينه المُرتضى وبدّل الأمن َ بالمخافة .. ". وهو كتاب عظيم يحمل جليل المعاني ويتضمن شريف الدلالات ، ويُذكّر بشيء من أمجاد أمة الإسلام وانتصاراتها بعد ضعفها وهوانها ويبعث على الأمل في النفوس أنه لا يأسَ من روح الله ولا من نصر الله لأنه سبحانه تكفّل بنصر دينه وحفظه وإعلائه على الدين كلّه ، إنما الشرف ُ كل ُ الشرف للأمة التي يمتّن الله عليها بالقيام بهذا الأمر ، لأنه ما من أمة أعرضت عن دين الله إلا خذلها واستبدلها بغيرها (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لايكونوا أمثالكم ) فأسأل الله عز وجل أن يعيد لأمة الإسلام عزها ومجدها. استحضرتُ معاني هذا الكتاب العظيمة إذ ذكّرني بها ما تعيشه مملكتنا الحبيبة هذه الأيام بعد أن أصابها ما أصابها من قضاء الله وقدره المؤلم الفاجع الذي لا يسعنا إلا الإيمان به، والصبر عليه واحتسابه عند الله بعد أن قدّر الله علينا فراقَ حبيب القلوب وأنيس النفوس وقرة العيون الذي كانت حياته " رحمه الله " حياة ً لخلق كثير من عباد الله ممن أصبحوا بعده كالأيتام بل أشد ، ذالكم هو سلطان بن عبدالعزيز " غفر الله له ورحمه وألحقه بالرفيق الأعلى " الذي كان يغيب عن الوطن غياباً مؤقتاً للعلاج فتعيش قلوبنا حالةً من الفقد والقلق والهمّ الذي لم يكن يجلوه إلا رؤية محياه بيننا . فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على أليم قضائه وقدره فهو سبحانه ربنا ونحن عبيده نواصينا بيده ، ماضٍ فينا حكمُه عدلٌ فينا قضاؤه . أقول ونحن ما نزال وسنبقى نكابد حزن فراق الحبيب ، إلا أنه من لطيف صُنع ِ الله بنا ومن تواصل فضله وجوده علينا ما وفق الله إليه خادم الحرمين الشريفين " حفظه الله وأمده بالعافية والعون " وما باركه ووافقه عليه إخوانه الكرام ُ من اختيار صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز " حفظه الله ووفقه " ولياً للعهد. فكان هذا القرار المبارك - إن شاء الله - مصدرَ فرح للمؤمنين واستبشاراً وطمأنينة للمواطنين والمقيمين وكل محب لهذا البلد الكريم وكانت وحدة الصف وائتلاف الكلمة مصدرَ غيظ وكمد لأعداء الدين والدولة السعودية القائمة به ، ممن كانوا يترقبون بشوق حدوثَ أي بادرة خلاف أو شقاق تكون لهم عيداً لأولهم وآخرهم ، ولو رأوا أي بادرة لذلك لطاروا بها فرحاً ولاتخذوها لزرع الفتنة والشقاق سُلّما . فلا أفرحهم الله بما تمنّوا، ولا أنالهم ما أرادوا. وإن اجتماع الكلمة على اختيار نايف بن عبدالعزيز لهو مصداق وعد الله لمن نصر دينه أن يُمكّنه في الأرض ، فسموه " حفظه الله " ناصرَ السنة وقامع البدعة ، وحاملَ لواء الشريعة المحامي عنها وعن حَمَلَتِها والدعاة إليها ، فجمع الله عليه الكلمة ووفقه للتشرف بثقة خادم الحرمين الشريفين التي لم تكن وليدة منصب ولاية العهد بل جاء المنصب تأكيداً وتوثيقاً لها. وكما كان اختيار سموه من قبلُ نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء محل فرح واستبشار وثناء المواطنين الذين رأوا في هذا الاختيار توفيقاً من الله لولي أمرهم " أيده الله " فإن مشاعرهم اليوم تعتبر امتداداً لمشاعرهم بالأمس ، وقد بادر الجميع بمبايعة سموه على السمع والطاعة وفق أحكام شريعة الله عز وجل ومنهج أهل السنة والجماعة في طاعة ولاة أمورهم والرجوع إليهم في كل نائبة . ولئن كانت هذه الأحداث التي تمر بها مملكتنا الحبيبة لو وقعت قبل عدة سنوات لكانت جديرة بالوقوف أمامها، واستجلاء ما تحمله من دروس وعبر لا يخلو منهما أي حدث من أحداث الزمان . إلا أن ما عشناه هذه الأيام من فقد سلطان الخير " رحمه الله " والفرح بتعيين ولي العهد " حفظه الله " وما انطوى عليه هذان الحدثان من معان عظيمة تمثلت في أن الحزن والفرح جميعاً اشتركا في إعطاء دلالة واحدة وبعث رسالة واحدة خلاصتها (الحب والولاء الصادق بين الراعي والرعية)، فالرعية في فراق سلطان الخير ذرفوا الدموع وتصدعت منهم القلوب ولهجوا بالدعوات الحارة الصادقة أن يرحم الله الفقيد ويغفر له ويجزيه عما قدم لهم وللإسلام خير الجزاء ، وفي تعيين نايف الخير بادروا إلى البيعة والفرح والسرور وكلهم أمل في وطن لا ينقطع خيره، ولا ينحسر ظلّه الوارف عن أبنائه . وتأتي هذه الأحداث ُ في وقت تلفظ فيه الأوطان زعماءها ورؤساءها الذين أظهرت لهم شعوبهم البُغض والكراهية وتفجرت في شوارعهم مسيرات الغضب على ما أصابهم في ظل حكمهم من جوْر وطغيان ٍ وفساد ، وقد بادر هؤلاء الزعماء شعوبهم كراهية ً بمثلها، وألقوا إليهم أيديهم بالقتل والضرب فكان منهم المغلوبُ سيئُ الخاتمة ومنهم المُغالب ُ المقاوم المتشبث بالحكم ِ ولو سفك في سبيله كل الدماء . والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . فاللهم أدمْ على مملكتنا عزها وأمنها واحفظها بدينك واحفظ دينك بها واجعل لها من وعدك لعبادك الصالحين بالاستخلاف في الأرض، والتمكين أوفرَ حظ ونصيب في ظل ولاة أمر اختاروا دينك وسنةَ نبيك دستوراً ومنهاجاً، ونصبوا أنفسهم، وما مننتَ به عليهم من خيرات للدعوة إلى سبيلك ونصرة سنة نبيك. والحمد ُ لله ربي ورب العالمين وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش الكريم سبحانه. *القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حاليا