لم تكف محنة الفلسطينيين مع الاحتلال والتهجير عندما صنعت بريطانيا، ولحقتها الدول الأوروبية بجعل إسرائيل واقعاً ثابتاً، ودفع الأموال والأسلحة وتصدير العقول في بناء الدولة الصهيونية حتى يظهر العداء علينا، والسبب أن منظمة اليونسكو صوّتت بقبول فلسطين عضواً أساسياً فيها، لتعلن أمريكا وقف مساهماتها المادية فيما دول أخرى ترى الوقت غير مناسب، والمنظمة ليست عسكرية أو ذات ميول أيدلوجية، بل إنها تخدم قطاعات ثقافية وتربوية وإنسانية بعيدة عن أي نزاعات، وعملية أن تدخل فلسطين عضواً فيها، رأت فيها إسرائيل وطوق نجاتها المتحالفون معها بداياتِ سلسلة اعترافات بتمثيلها في معظم المنظمات الدولية، وقد يأتي الاعتراف بالدولة الفلسطينية بتصويت الأممالمتحدة صاعقة أكبر، وهذه مجرد مقدمة أو إنذار لما سيأتي.. العالم تحرر من عقدة الخوف من أي إجراء لا يلتقي مع رغبات الغرب وأمريكا لأن الوجه الآخر لإسرائيل كشفته أحداث كثيرة لم تحرك شفاه حلفاء إسرائيل بما جرى من مجازر، وزحف على الأرض، ورفض تام لأي اتفاق سلام، إذ لايمكن الاستمرار في غسل الأدمغة أمام عالم مفتوح يشاهد ويتفاعل مع أي حدث عالمي بدعوى مفاوضات السلام والتي لا تعدو لقاءات بلا معنى بسبب إصرار إسرائيل على أن هذا البند لا يقع ضمن اهتماماتها حتى تكمل مشروع الدولة اليهودية على معظم الأرض الفلسطينية وحشرهم في أصغر بقعة، أو دفعهم للأردن ليكون البديل عن أرضهم ودولتهم.. اليونسكو تجاوزت الضغوط والإملاءات، حتى إن تصويت بعض الدول الأوروبية لصالح القرار جاء صدمة لإسرائيل، ورمزية هذا الموقف لا تتعلق فقط بالصراعات الدولية حتى داخل أروقة مثل هذه المنظمة والتي أرادت أمريكا وإسرائيل مواجهة أعضائها باستخدام مختلف الأسلحة، وهي نفس الصيغة التي تمارسانها في مجلس الأمن والأممالمتحدة، لكن الخيار لم يعد في أيديهما.. قد ترى إسرائيل أن المنظمة مسيّسة أو ترفع اتهامها إلى أنها ضد السامية، لكنها لا تستطيع إنكار الرغبة العالمية في تحقيق العدالة في التعامل، والمشكل لإسرائيل أنها ستنسحب من المنظمة لكن خسارتها ستكون كبيرة، وخاصة عندما تعترف اليونسكو بالتراث الفلسطيني كأحد المحميات من الإزالة والسطو، باعتباره تراثاً إنسانياً.. أمريكا كشفت عن وجهها الحقيقي، ونسيت ادعاءاتها برعاية السلام والحقوق الإنسانية التي يُستثنى منها الشعب الفلسطيني طبعاً، وهي ممارسة عرقية ولاإنسانية، وإلا ما معنى إسقاط حق شعب له تاريخ وحضور عالمي، فقط لأن إسرائيل لا تقر بذلك؟! إسرائيل الآن في أسوأ أحوالها، أي أن عزلتها التي تعيشها والتي يعترف بها أعضاء في الحكومة وبعض طبقة السياسيين والمثقفين، هي نتاج سياسة وصلت إلى حد التسفيه بالرأي العام العالمي وتحقيره، ومعاناة الشعب الفلسطيني لايمكن عزلها عن المتسبب، وقضية أن حماس منظمة إرهابية فقد سبق وأن اتُّهمت منظمة التحرير بنفس الصفات، لكن العقل العالمي لم يعد بعيداً عن رؤية عدوانية إسرائيل، وكأن ما حدث في اليونسكو هو مقدمة لاستفتاء دولي بقبول دولة لهذا الشعب كاملة الأهلية والعضوية، والمشكل لأمريكا ماذا لو صادقت الأممالمتحدة على إجراء مماثل وتم الاعتراف بدولة فلسطينية، هل تنسحب من المنظمة الدولية؟ وكيف ستواجه هذا الموقف إذا ما كان رغبة كونية ضد إسرائيل وممارساتها؟