تشير البيانات الجديدة إلى أن النمو الاقتصادي في النصف الأول من العام جاء قوياً، وارتفع بالقيمة الاسمية بنسبة 26,1 بالمائة على أساس المقارنة السنوية. ونتيجة لعدم تعديل البيانات الاسمية وفقاً لتغيرات الأسعار فقد أدت أسعار النفط المرتفعة إلى أن يسجل قطاع النفط معدلات نمو عالية بلغت 39,5 بالمائة. أما القطاع غير النفطي فقد نما بمعدل 12,9 بالمائة بينما سجل القطاع الخاص غير النفطي نمواً بنسبة 8,4 بالمائة. وكان هناك تغير طفيف في نمو القطاع الخاص غير النفطي عند مقارنة الربعين الأول والثاني رغم الإعلان عن إنفاق حكومي جديد بقيمة 500 مليار ريال وتراجع حدة الاضطرابات الإقليمية خلال الربع الثاني. ولم يتم نشر بيانات معدلة تعكس نسبة التضخم خلال فترة النصف الأول من العام. متوسط سعر البرميل السعودي ارتفع بنسبة 37% ليصل إلى 104 دولارات ارتفاع متوسط سعر البرميل ويعزى النمو في قطاع النفط بالدرجة الأولى إلى ارتفاع الأسعار، حيث قفز متوسط سعر البرميل من خام الصادر السعودي إلى 104,6 دولارات للبرميل في النصف الأول من العام حسب تقديراتنا مرتفعاً من 76,4 دولارا للبرميل خلال نفس الفترة من العام 2010، أي بزيادة قدرها 37 بالمائة. كذلك ارتفع حجم إنتاج النفط بنسبة 10 بالمائة خلال نفس الفترة. ورغم أن تقديراتنا لأسعار النفط تعكس مستوى نمو أعلى مما ورد في البيانات الرسمية، إلا أنها جاءت معقدة بسبب الفرق الكبير الاستثنائي الذي طرأ على سعري الخامين القياسيين الرئيسيين برنت وغرب تكساس، كما أن البيانات الرسمية قابلة للتعديل (أجريت تعديلات طفيفة على أرقام النمو للربعين الأول والثاني من عام 2010). كذلك، يلاحظ أن البيانات الصادرة تشير إلى أن معدلات النمو السنوي للأسعار وحجم الإنتاج كلاهما جاءت مرتفعة في الربع الثاني مقارنة بالربع الأول، وهو ما لم تعكسه بيانات الناتج المحلي الإجمالي. يعود الفضل في نمو القطاع غير النفطي إلى نمو القطاع الحكومي الذي نما بأكثر من ضعف معدل نمو القطاع الخاص وارتفع بدرجة كبيرة في الربع الثاني. ويعزى هذا النمو في القطاع العام إلى زيادة الإنفاق الحكومي الذي ارتفع بفضل حزم الإنفاق الجديدة التي اُعلنت خلال شهري فبراير ومارس، ما أدى إلى تعزيز الإنفاق الحكومي المقرر في الميزانية والذي كان أصلاً مرتفعاً. ارتفعت الخدمات الحكومية كأحد مكونات الناتج المحلي في الربع الثاني بنسبة 27 بالمائة مقارنة بالربع المقابل من العام الماضي، كما ارتفعت بنسبة 49 بالمائة مقارنة بنفس الفصل من عام 2009. الإنفاق الحكومي رغم الارتفاع الهائل في الإنفاق الحكومي والقفزة الكبيرة في الإنفاق الاستهلاكي الذي أعقب مكافآت موظفي الدولة في أواخر الربع الأول جاء نمط النمو في القطاع الخاص غير النفطي مفاجئاً، حيث ارتفع النمو في هذا القطاع من 8,2 بالمائة خلال الربع الأول، الذي شهد هبوط سوق الأسهم بصورة حادة وبلوغ الاضطرابات الإقليمية ذروتها، إلى 8,5 بالمائة خلال الربع الثاني. وكان القطاع الوحيد الذي سجل ارتفاعاً ملحوظاً في النمو خلال الربع الثاني هو المرافق العامة، ربما لأنه عادة ما يكون أقل قطاعات الاقتصاد تأثراً بالأحداث. سجل قطاع الصناعات التحويلية أسرع معدلات النمو بين القطاعات التي يتكون منها القطاع الخاص خلال النصف الأول من العام، مرتفعاً بنسبة 22,5 بالمائة بدعم من النمو الذي حققه تكرير النفط والذي بلغت نسبته 38 بالمائة. يمثل نشاط التكرير نحو 20 بالمائة من قطاع الصناعات وترتبط قيمته بشدة بقطاع النفط. كذلك نمت الصناعات الأخرى (غير التكريرية) بنسبة 14,8 بالمائة بفضل ارتفاع أسعار البتروكيماويات والبلاستيك والمنتجات ذات الصلة وزيادة حجم إنتاج مواد البناء كسبب رئيسي. قطاع التشييد المرتبة الثانية واحتل قطاع التشييد المرتبة الثانية من حيث سرعة النمو بين القطاعات المكونة للقطاع الخاص بمعدل نمو 9,2 بالمائة رغم تباطؤ النمو في الربع الثاني مقارنة بالربع الأول، في إشارة إلى أن برنامج تشييد المساكن الذي تم الإعلان عنه في مارس لم يحدث قفزة فورية في نشاط البناء. أما ديناميكيات نمو قطاع التجزئة فقد جاءت محيرة، فلم يشهد معدل النمو السنوي إلا تحسناً طفيفاً في الربع الثاني رغم ارتفاع قيمة السحوبات النقدية من أجهزة الصرف الآلي ومعاملات نقاط البيع إلى مستويات قياسية. جاءت معدلات النمو بالنسبة للقطاع المالي ضعيفة بطريقة واضحة، وينقسم هذا القطاع إلى فئتين هما "ملكية المساكن" و"أخرى"، وقد نمت فئة "أخرى" التي تضم الخدمات المالية والتأمين وخدمات الأعمال بنسبة 1,8 بالمائة فقط، وهو نفس معدل النمو الذي حققه القطاع الزراعي الذي يعاني سلفا. وانكمش القطاع الخاص غير النفطي بنسبة 5,2 بالمائة في الربع الثاني وإن كانت البيانات قد تأثرت بالعوامل الموسمية. وقد تقلص نمو القطاع الخاص غير النفطي في كل السنوات الثلاث التي توفرت بياناتها، لكن التراجع في العام الحالي جاء بنفس القدر الذي شهده عام 2010 رغم ضخامة الإنفاق الحكومي. ويعتبر الهبوط الذي سجله قطاع التجزئة والذي بلغ 14,5 بالمائة أكبر هبوط خلال السنوات الثلاث التي تتوفر عنها بيانات. توزيع النمو جاء توزيع النمو حسب الإنفاق منسجماً مع الاتجاهات التي استعرضناها أعلاه. وتشير البيانات إلى أن قطاع التجارة كان المحرك الرئيسي للنمو بفضل ارتفاع صادرات السلع والخدمات بنسبة 35 بالمائة. ويعود هذا النمو بالدرجة الأولى إلى ارتفاع إيرادات النفط رغم قوة صادرات السلع والخدمات غير النفطية في النصف الأول، حيث ارتفعا بنسبة 17,3 بالمائة ونسبة 19,5 بالمائة على التوالي. بالمقابل، لم ترتفع الواردات إلا بنسبة 0,3 بالمائة فقط (ارتفعت واردات السلع بنسبة 5,4 بالمائة مقابل انخفاض في واردات الخدمات بنسبة 7,7 بالمائة). سجل الإنفاق الحكومي نمواً بلغ 26,2 بالمائة، متجاوزاً بدرجة كبيرة نمو الإنفاق في القطاع الخاص الذي ارتفع بنسبة 5,5 بالمائة فقط، لكن لم يكن هناك فرق يذكر في الربع الثاني مقارنة بالربع الأول في كلتا الحالتين رغم المدفوعات الكبيرة التي تأتت عن حزم الإنفاق الحكومية التي اُعلن عنها خلال الربع الأول. تراجع النمو في الاستثمارات خلال الربع الثاني إلى النصف مقارنة بالربع الأول، لكن نموه لكامل النصف الأول الذي بلغ 13,2 بالمائة في المتوسط يعتبر قوياً بصورة واضحة. الناتج الإجمالي الفعلي المعيار السائد في قياس النمو الاقتصادي هو الناتج الإجمالي الفعلي الذي يستبعد أثر تغير الأسعار. لكن يتعذر تحديد معدل النمو الفعلي الذي تعكسه بيانات الناتج الإجمالي الاسمي نسبة لأن كل قطاع يتم تعديله على حدة بمؤشر أسعار معين خاص به كما أن معامل انكماش القطاع غير النفطي جاء أقل كثيراً من مؤشر تضخم تكلفة المعيشة خلال السنوات الأخيرة. وبما أن متوسط مؤشر تضخم تكلفة المعيشة بلغ 4,8 بالمائة خلال النصف الأول، فإن النمو الفعلي للقطاع الخاص غير النفطي سيأتي بين 3,5 و5 بالمائة على الأرجح. ويأتي هذا المستوى متسقاً مع تقديراتنا رغم أن الربع الأول جاء أقوى مما توقعنا بينما جاء الربع الثاني أضعف، لذا فإن البيانات الجديدة توحي بأن النصف الثاني من العام ربما يشهد زخماً أقل. عليه، تظل توقعاتنا بشأن نمو القطاع الخاص غير النفطي لهذا المتوسط عند مستوى 4.2%.