يتفق الجميع على أن الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - رجل دولة من الطراز الأول.. ورجل الدولة هو من تتوفر فيه عوامل وسمات القائد المحنك.. وكان الأمير كذلك.. كان يتمتع بمزايا تجعله ممتلكاً لتلك الصفات.. فقد كان حليماً، وكريماً، وكان ثابت الجنان في المهمات والأزمات.. نعم كان رجل أزمات، فإذا التوت الأمور وتعقدت فسلطان لها بما يمتلك من رؤية، وصبر، وتؤدة، وحكمة.. كان يعرف يروز الأمور في الوهجات يراوزها، ويوازنها.. في كثير من الأزمات التي مرت بها البلاد، كان سلطان موجوداً.. كان موجوداً برويته وأناته، ونفوذ حكمته، في السيطرة والعلاج.. ولم تكن الأزمات تظهر منه وجلاً، ولا عجزاً فكان يبتسم لها في رباطة جأش، وهدوء، ورزانة... هكذا كان رجلاً صلب العود، شديد المراس، قليل التشكي للمصيبات، فكأنه من عناه الشاعر بقوله: قليل التشكي للمصيبات حافظ من اليوم أعقاب الأحاديث في غد * * * والأمير سلطان رجل خير، وبذل وعطاء، كان ينفق بلا حساب، ويهب بجزالة، وأعماله في الخير والبر مشهورة وظاهرة للجميع.. وكان رفيع السلوك في التعامل الإنساني كان سهل الجانب طلق المحيا، سمح السجايا، يتعامل مع الآخرين في لين ورقة، وتواضع.. أذكر انه - رحمه الله - زار بريطانيا في الفترة التي كنت فيها ملحقاً زارها أكثر من مرة، وكان يجتمع بالطلبة الدارسين.. يحاورهم، ويتفاعل معهم في أبوة وعطف.. وأذكر مرة ان أحد الطلبة اشتكى إليه أن من يكون متزوجاً أكثر من واحدة لا يصرف له إلا إعانة زوجة واحدة، وإن كان يصطحب معه زوجتين أو ثلاثاً.. فقال له الأمير ثلاثاً قال الطالب بنعم.. لدي ثلاث.. ثم اقترب من الأمير وهمس في أذنه فضحك وضحك الجميع.. وبعد فترة صدر قرار بأن تصرف الإعانة كاملة لكل زوجة.. وحينما زرنا الأمير في جنيف وكان يعالج ركبته «الأستاذ تركي السديري والدكتور محمد القويز وأنا» سلمت عليه ونقلت له تحيات الطلبة قال: مازحاً ومتذكراً كيف حال «أبو ثلاث»، يقصد صاحب الزوجات الثلاث قلت: تخرج وتزوج رابعة فاستغرق في الضحك. * * * من الأشياء اللافتة والمهمة في حياة الأمير سلطان - رحمه الله - تقديره للعلم والمعرفة، فالعلم عنده فوق كل المزايا، والخصائص الأخرى يتجلى ذلك في حرصه على تعليم أبنائه، ذلك الحرص الذي يجعله رغم مشاغله، يتابعهم متابعة دقيقة ودائمة وسأروي هذه الحكاية عنه رحمه الله: كنت في إحدى السنوات أحضر مؤتمراً أدبياً في بلد عربي، وأذكر أنني والدكتور الصديق عبدالله المعطاني خرجنا إلى مكتبة قريبة من المؤتمر وبينما كنا نقلب، ونبحث عن شيء جديد، وإذا بهاتفي يرن، وحينما فتحته كان سنترال بيت الأمير يقول لي: طويل العمر معك.. وتحدث - رحمه الله - بلطفه المعهود، وسأل عن أوضاع الطلبة ثم قال: إن بعض أبنائي يدرسون في لندن، وأريدك أن تشرف عليهم بشكل مباشر وأن تتواصل معي شخصياً فيما يتعلق بسير دراستهم فقلت أبشر.. وعندما عدت اجتمعت بهم وصرت أتابعهم بشكل مستمر، وأرفع تقاريرهم إليه شخصياً، وكان يسر بالتقارير الجيدة.. وكنت شديداً وحازماً في المتابعة، وقد تذمر بعضهم من الحزم.. فكتبت إليه رحمه الله بذلك. وذات يوم فوجئت باتصال منه وهو يقول: بيض الله وجهك هذا ما كنت آمله منك.. وهكذا ترون أن الرجل الذي يحمل على عاتقه شئون الدولة ومتاعبها، وهمومها، لم تصرفه عن دوره ومسئوليته كأب يتابع أبناءه بحرص واهتمام بالغين.. رحم الله الأمير سلطان فقد كان رجلاً ذا مزايا يصعب توفرها إلا في النوادر من الرجال : لعمرك ما الرزية فقد مال ولا فرس يموت ولا بعيرُ ولكن الرزية فقد حر يموت لموته خلق كثير