يغيب عنا اليوم أحد أركان القيادة في وطننا العزيز المغفور له صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، الذي بدأ مسيرته المباركة في العمل العام منذ ستينيات القرن الماضي عندما تقلد إمارة منطقة الرياض. فقد كان رجلاً كريماً بأخلاقه وبشاشته واستقباله للناس, وقد حظيت مع مجموعة من زملائي الصناعيين وأعضاء مجلس إدارة غرفة الرياض ومجلس الغرف السعودية بالالتقاء بهذا القائد الفذ في عدة مناسبات وطنية, وكان يرحمه الله يبادر في كل لقاء بالتوجيه والمساندة لما نحمله من استشارة واستنصاح, فنستبين من سموه الرأي السديد والتوجيه الصريح في بشاشة وابتسامة دائمة تريح كل من يلتقيه. وفي أحد تلك اللقاءات تقدمنا لسموه بنسخة من توصيات منتدى الرياض الاقتصادي في دورته الأولى بعد أن التقينا بخادم الحرمين الشريفين يحفظه الله, فاستقبلنا مرحباً ومشجعاً على الاستزادة من هذه الجهود الهادفة نحو كل ما يسهم في تنمية وتطوير هذه البلاد.., وعلى الرغم من أن المنتدى لم يحظ للأسف برئاسة سموه لإحدى دوراته اللاحقة نتيجة لارتباطات سموه وانشغالاته وظروفه الصحية, لكنه كان دائما مسانداً ومشجعاً لما عزمنا عليه من الدراسات والتوصيات التي صوبت إليها أعمال المنتدى. وكان لكلمات سموه النابعة من قلبه الكبير ورحابته الأصيلة حافز وداعم لرجال الأعمال في كل المشاريع والمبادرات الهادفة لخدمة بلادهم – وأتذكر في هذا المقام عندما بادرت غرفة الرياض يعاضدها جمع كبير من رجال الأعمال بإنشاء مركز الأمير سلمان الاجتماعي في شمال الرياض، كان حفل الافتتاح قد تشرف برعاية سموه.. حيث لا تزال كلماته ترن في أذني عندما قال – نشكر الله ونحمده – هل ترون كيف تغيرت الأمور وتطورت نحو الأفضل.. فهذا المكان كنا نأتي إليه وأصحابي لنصطاد فيه الغزلان والآن تشاهدون أمامكم طريق الملك عبدالله الذي يمثل واحداً من أهم شرايين مدينة الرياض. ولعلنا ندرك أن الأمير سلطان يرحمه الله كان أحد رواد التنمية ودعاماتها في هذه البلاد طوال العقود الماضية, فقد كان سموه رئيساً لعدة مجالس وطنية خدمت شئون وشجون التنمية بمختلف ميادينها, كما قاد سموه سلسلة من المهام التنفيذية والوزارية والحكومية - بل أستطيع القول أن وجود سموه على رأس وزارة سيادية هامة مثل وزارة الدفاع كان سبباً بعد الله في جعل هذه الوزارة تنهج منهجاً تنموياً فريداً.. فالمدارس المتخصصة والكليات انبثقت تحت عباءة وزارة الدفاع وبرعاية مباشرة من سمو الفقيد العزيز.. وتخرج منها نخب ونخب من أرفع كوادرنا في شتى المجالات العسكرية والمهنية الأخرى ممن يعمرون الآن مختلف حقول العمل المدني والعسكري، ويكفي هنا أن يشار إلى كلية القيادة والأركان التي تعد من أهم الكليات على مستوى الوطن العربي والإسلامي.. ونعلم أن عدداً من قادة دول مجلس التعاون الخليجي وقيادات نافذة من دول شقيقة أخرى قد تخرجوا منها.. بالإضافة إلى كلية الطيران والكليات المهنية الرفيعة الأخرى التي نهلت من فكر ورعاية وسهر هذا القائد الفذ يرحمه الله. رحم الله الأمير سلطان قائداً تاريخياً ملهماً وأباً وصاحب قلب كبير اتسع لحب وخدمة الناس كل الناس في تواضع وعطف إنساني يندر أن نجد مثيله – ومع ذلك، فلا نقول إلا ما يرضي الله في هذا الفقد الجلل – وإنا لله وإنا إليه راجعون.