منذ صباح يوم السبت 24 ذي القعدة 1432(22 اكتوبر 2011م) والمملكة تعيش لحظات مريرة من الحزن والأسى لوفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله. ومع أن الموت نهاية كل حي إلا ان الفراق صعب ,فالموت مأساة كبرى في حياة الإنسان , وهو أشد ألماً في النفوس عندما يرحل إنسان عظيم نجلّه ونحترمه , ونحمل له كل المحبة والتقدير في أعماق نفوسنا ووجداننا . والأمير سلطان بن عبدالعزيز هو ذلك الإنسان العظيم بكل معنى الكلمة , بما كان يتميز به من قلب كبير وشعور نبيل ورغبة عميقة وصادقة في مساعدة الناس , وحب متدفق لهم , مع ابتسامة رائعة وجميلة تسبقه إلى كل مكان.. ومنذ ان تولى سموه – رحمه الله رئاسة الحرس الملكي عام 1362ه في عهد والده الملك عبدالعزيز , ثم أول منصب له وهو إمارة منطقة الرياض في عام 1366ه , وهو يعمل بجد ومثابرة وإخلاص لنهضة بلاده وشعبه وأمته العربية والإسلامية . وخلال أكثر من 60 عاماً قام - يرحمه الله - بالتأسيس والبناء والإدارة لعدد من المناصب القيادية , حتى عرف الناس مايسمى بجامعة الأمير سلطان التي تخرج فيها أجيال من السعوديين الذين أسهموا ويسهمون في التنمية والبناء لهذا الكيان العظيم الذي أسسه الملك الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - . وعندما تقلد سموه - يرحمه الله - وزارة الدفاع والطيران أسس مفهوماً أساسياً هو الدفاع السلمي , وبذلك فقد حول الجيش من مستهلك لميزانية الدولة كما هو معروف في كثير من دول العالم إلى عامل حيوي في التنمية والبناء . وهكذا فقد تم إنشاء عدد من المدن الاقتصادية والصناعية حول القواعد والمدن العسكرية , ما أدى إلى تنمية شاملة في تلك المناطق . وفي مجال البيئة , اطلق على سموه رجل البيئة الأول لحصوله على درع رجل البيئة الأول عام 1996م , كما حصل على جائزة السلام والبيئة من مركز التعاون الأوروبي - العربي عام 2003م , كما كان - رحمه الله – يرأس اللجنة الوزارية للبيئة ورئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها. وعندما نتعمق في شخصية الأمير سلطان نجد ان مفتاح هذه الشخصية يتمثل في " الإنسانية" . فجميع صفات الأمير سلطان تدل على انه انسان نبيل يشعر بكل مايعانيه الناس , يتفاعل معهم .. يمسح آلامهم .. يداوي أمراضهم , سواء في بناء المشروعات الخيرية , ومنها تقديم الرعاية الاجتماعية والصحية والتأهيل الشامل لذوي الأحتياجات الخاصة والمسنين , ودعم الأبحاث في مجال الخدمات الطبية والإنسانية , ودعم المشروعات العلمية والتقنية . ولعل أبرز هذه السمات الشخصية واللمسات الإنسانية تلك المؤسسة الخيرية غير الربحية " مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية" التي أنشأها سموه منذ عام 1416ه(1995) والتي تقدم الكثير من الخدمات الإنسانية بالإضافة إلى التعاون مع مراكز الأبحاث المرموقة في العالم , ودعم الكراسي والبرامج العلمية والجوائز التشجيعية في عدد من المراكز والجامعات . لقد ترك سموه الكريم - يرحمه الله - بصمة واضحة في كل المناصب التي شغلها , وفي كل مسؤولية تحملها . وستظل بلادنا تتذكر الأمير سلطان دائماً , وستظل ذكراه عطرة في قلب كل سعودي كرمز للإنسانية , لتواضعه وتواصله مع جميع فئات المجتمع , ولأياديه البيضاء التي شملت جميع شرائح المجتمع . وما أجمل ما قاله الشاعر القديم : طرقت يا موت كريماً فلم يقنع بغير النفس للضيف زاد دُفنت في الترب ولو انصفوا ماكنت إلا في صميم الفؤاد وكأنه يشير إلى الامير سلطان الذي رحل بجسده عنا , ولكنه باق في قلوبنا نستلهم من حبه وإنسانيته لتراب هذا الوطن ولجميع المواطنين معنى العشق والإخلاص للوطن وإعلاء كلمة الإسلام في كل مكان .... نعزي انفسنا ونعزي والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – يحفظه الله – وأصحاب السمو الأمراء والأسرة المالكة الكريمة ، والشعب السعودي النبيل . رحم الله فقيد الأمة - صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمة واسعة , واسكنه فسيح جناته .. "إنا لله وإنا إليه راجعون" .