سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأمير تركي الفيصل: محاولة اغتيال الجبير اعتداء على السلوك المتحضّر والإنساني ولن تمر دون رد خلال مشاركته في فعاليات منتدى التعاون الكوري الشرق أوسطي في سيئول
قال صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية انه على الرغم من أن الصورة العامة للمنطقة المحيطة بالمملكة العربية السعودية تهيمن عليها بعض الاضطرابات والفوضى، فإن المملكة -التي تقع في قلب كل هذه العواصف- لا تزال تتمتّع بالاستقرار والأمن والازدهار بفضل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز " حفظه الله" ، وبفضل تلاحم الوحدة الوطنية المتزايدة بين أفراد الشعب السعودي، والاستثمار الحكومي المتواصل لمصلحة رفاهية الشعب، وكذلك بفضل اتباع السياسات الاقتصادية التي عادت بالخير على المملكة في صورة نمو اقتصادي وفوائض بالميزانية واحتياطات نقد أجنبي تربو على 600 مليار دولار. وحول محاولة اغتيال السفير السعودي من قبل ايران في الولاياتالمتحدةالامريكية قال الامير تركي الفيصل في كلمته خلال فعاليات " منتدى التعاون الكوري الشرق أوسطي الثامن الذي اختتمت فعالياته مساء أمس الأول الجمعة في عاصمة كوريا الجنوبية (سيئول) ان محاولة الاغتيال تمثّل اعتداءً على السلوك المتحضّر والإنساني، وأن هذا لن يمر دون ردّ وردع. وأضاف أنه في الوقت الذي تنظر فيه المملكة إلى إيران وتفكّر في ما يمكنه أن يقع خلال العقد المقبل، لا يسعها سوى أن تتمنّى أن يحثّ شعب هذه الدولة قادته على اتخاذ مسار يتّسم بالحكمة والأمان بدرجة أكبر من المسار الذي يتّبعونه في الوقت الراهن والذي يعود بالضرر عليهم وعلى الآخرين. مشيراً إلى أن الوضع في العراق يبقى ملتبساً حيث تقوم الحكومة الراهنة على الانقسامات الطائفية ويظهر النفوذ الإيراني بتجل ووضوح هناك. المملكة تتمتّع بالاستقرار والأمن رغم الزوابع المحيطة وتتحمل مسؤولية فريدة في انتهاج مسار متعقّل ومنصف ونافع عربياً وإسلامياً ولفت الامير تركي الفيصل إلى أن هذا لا يعني أن المملكة لا تواجه تحدّيات سواء في الداخل أو في الخارج. حيث أشار إلى أن "هناك زوابع كثيرة تلوح في أفقنا، أولها وأهمّها التغيّرات السياسية التي يشهدها عدد كبير من الدول العربية.. وبينما تقبل المملكة التطوّرات الحادثة في الدول المجاورة وتدعمها في أحيان كثيرة، فيجب أن تحافظ المملكة على تركيزها على الواقع الصعب الذي يأتي غالباً بعد الفوران الاجتماعي القائم على رؤى مثالية". وأوضح الأمير تركي الفيصل في الجلسة الخاصة للمنتدى التي جاءت تحت عنوان "المملكة العربية السعودية في عالم متغيّر"، أن السياسة العالمية تمرّ بمرحلة تحوّل كبير، وأن التطوّرات الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية التي يشهدها عالمنا اليوم ستدفع الدول إلى إعادة النظر في شؤونها الداخلية والخارجية من أجل مواجهة تحدّيات المستقبل الكبيرة. وأنه من المتوقع أن يقود الصعود الآسيوي إلى تحوّل استراتيجي، قائلاً "ولذا فإننا كآسيويين -سواء في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أو في الجمهورية الكورية- يتعيّن علينا أن نوطّد علاقاتنا بالطرق كافة استعداداً لمثل ذلك اليوم، وللتأكيد أن التحوّل لن يكون في مصلحة آسيا فحسب، ولكنه سيكون في مصلحة العالم أجمع". وأضاف أن مواقف المملكة العربية السعودية تهمّ العالم أجمع وذلك كونها دولة إسلامية وخليجية وعربية وشرق أوسطية وآسيوية. البنية التحتية لإنتاج النفط في المملكة محصنة ضد أي اعتداء داخلي أو خارجي وتخطيط سعودي لبناء 16 محطة للطاقة النووية وألقى الفيصل في كلمته الضوء على الأحداث التي يشهدها العالم العربي طوال العشرة أشهر الأخيرة، مبيّناً أن منطقة الشرق الأوسط قد دخلت في مرحلة تحوّل عميقة مع سقوط حكومات، وظهور قوى اجتماعية جديدة، وإعادة ترتيب شراكات، وتصاعد توترات دولية -بعضها قديم وبعضها حديث إلى حدّ ما- بما يتطلّب إعادة التقويم من الزوايا السياسية جميعها. وبيّن الفيصل أن كلاً من مصر وتونس -اللتين شهدتا النشأة الأولى لما سمّي "الربيع العربي"- تمرّان بمراحل خطرة وشاقة من إعادة الهيكلة، حيث يتراجع الاقتصاد فيهما بشكل كبير، ويسعى السياسيون الانتهازيون -والحركات السياسية الانتهازية- إلى زيادة قوتهم بشكل كبير عبر الانتخابات المقبلة. مشيراً إلى أن أحداث الحرب الأهلية في ليبيا والعنف المتصاعد في اليمن كلّفت الآلاف حياتهم وعادت بالتنمية عقوداً عديدة إلى الوراء، وأن الوضع ما زال في كل من الدولتين لا يمكن التنبؤ به إلى حدّ كبير. هذا إضافة إلى أن الوضع في البحرين وإن كان يبدو مستقراً في الوقت الراهن، فمن الممكن أن تندلع المشكلات مجدّداً. وأن المجتمع السوري يقف الآن على شفا هاوية حرب ضروس مفزعة يمكنها أن تمتد إلى كل من لبنان وتركيا والعراق. الامير تركي الفيصل متحدثا في المنتدى ولفت النظر إلى أنه بالرغم من حداثة عهد هذه الظروف القومية الغامضة، فهناك الكثير من العواصف الأقدم التي اندلعت لفترة ما ويصعُب تعرّف نتائجها بالدرجة نفسها. وإحدى تلك العواصف -التي ترتبط بشكل وثيق بالصعوبات التي تواجهها الكثير من الدول العربية الآن- هي قضية إيران، موضّحاً من وجهة نظره أن هنالك العديد من الإشكاليات الكبيرة مع إيران مثل تطلّعها نحو امتلاك السلاح النووي، واحتلالها "الجزر الثلاث" التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتدخّلها المستمر السافر في شؤون الدول الأخرى. فبالنسبة إلى مشكلة الأسلحة النووية قال الفيصل إن المملكة تواصل إصرارها على ضرورة تخلّي إيران عن هدف الاستحواذ على أسلحة نووية، ودعمها إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. مؤكداً أنه لا ريب في أن هذا هو المسار الأفضل لمستقبل كل من الشعب الإيراني وشعوب المنطقة، وأن المملكة تساند تماماً تشديد العقوبات والدبلوماسية النشطة والتحرّك التعاوني عبر منظمة الأممالمتحدة لإقناع إيران باتباع هذا المسار. وفي ما يتعلّق بالمشكلة الثانية -الخاصة باحتلال إيران "الجزر الإماراتية الثلاث"- أشار الفيصل إلى أن المملكة تدعم موقف دولة الإمارات وتقوم بحثّ إيران على قبول التحكيم الدولي من خلال "محكمة العدل الدولية". التدخلات إلايرانية أما بشأن المشكلة الثالثة -التي تتعلّق بتدخّل إيران في السياسة الداخلية للدول العربية- رأى الفيصل أنه ليس هناك مجال لإبداء المرونة في هذا الشأن، وأنه يجب على إيران أن تتوقف عن محاولة التأثير في توجّهات الحكومات الأخرى عن طريق تمويل كيانات ومنظمات من غير الدول مثل حركة "حماس" و"حزب الله" والعديد من الميليشيات الموالية لها في العراق. ومضى الامير الفيصل يقول إن ثمّة عاصفة أخرى اختمرت لمدة أطول من الانتفاضات الأخيرة -وهو موقف يشكّل محوراً للكثير من المشكلات التي تواجهها منطقتنا- تتمثّل في المحنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. مذكّراً بما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، مؤخراً، بأن "اضطهاد الفلسطينيين على أيدي قوات الاحتلال يعدّ أحد أسوأ نماذج الحرمان من حقوق إنسان". مبيّناً أنه على الرغم من أن الكثير من الادّعاءات والادّعاءات المضادة تمّ التعبير عنها في هذا الشأن، فإن مسار السلام واضح. من حيث إن مبادرة السلام الصريحة التي طرحها الملك عبدالله عام 2002 قد وضعت الأساس لإنهاء العداوة، حيث تشترط المبادرة انسحاب الإسرائيليين من الأراضي المحتلة -بما فيها مدينة القدسالشرقية- إلى حدود ما قبل الرابع من يونيو عام 1967، وحلّ مشكلة اللاجئين من خلال الاتفاق المشترك، مقابل قيام السعودية و"جامعة الدول العربية" و"منظمة المؤتمر الإسلامي" ببدء علاقات طبيعيّة وسلميّة مع "إسرائيل". وأوضح أنه بخصوص قضية إقامة الدولة ذات الأهمية الكبيرة، تتخذ السعودية موقفاً داعماً للدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة التي ترغب في إعلان اعترافها بدولة فلسطين بشكل رسمي، وتؤمن معها بأن إقامة الدولة الفلسطينية ليس أمراً مرهوناً بالاحتمالات، ولكنه أمر عاجل الآن. وبالنسبة إلى ما يتصل بالصعوبات التي تواجه منطقتنا، قال الفيصل إنه (ما زال يتعيّن على المرء أن يقرّ بأن الإرهاب يظل هو التهديد المهم، ولكن الأمر لا يتعلّق فقط بتنظيم "القاعدة"، الذي يواصل التآمر ضدنا.. فهناك الكثير من الكيانات الفاعلة الأخرى من غير الدول التي تظهر للمرة الأولى أو تعاود الظهور وتسعى إلى انتهاز الفراغ في السلطة الناتج عن ديناميكيات التحوّل السياسي.. وفي ظل الأوضاع الغامضة التي تمر بها منظومة الحكم في كل من ليبيا واليمن وتونس ومصر وسوريا، تتشكّل الظروف المثلى للخلايا الإرهابية لكي تستحكم وتقوم بأعمال يائسة وشريرة ومخرّبة.. ولهذا السبب تواصل المملكة التعاون مع حلفائها أينما وجدوا لاقتلاع هؤلاء المخرّبين الذين يظنون أن من حقهم أن يمارسوا العنف البشع على الآخرين باسم غايات كاذبة ومدمّرة". مؤشرات إيجابية لمستقبل السعودية وفي ختام كلمته قال الامير تركي الفيصل ان أوضاع المملكة الاقتصادية جيدة تماماً، إذ تشير التقديرات الخاصة بالسنوات الخمس المقبلة إلى أن دخل المملكة من النفط سيصل إلى 250 مليار دولار سنوياً في المتوسط (ويبلغ دخلها في تقديرات عام 2011 نحو 300 مليار دولار)، إضافة إلى امتلاكها احتياطيات نقد أجنبي تقدّر ب (600) مليار دولار، تخطّط لزيادتها. مضيفاً أنه للحفاظ على مستويات تصدير النفط الراهنة، تستثمر الحكومة السعودية بكثافة في الطاقة الشمسية وتخطط لإنفاق أكثر من 100 مليار دولار لبناء 16 محطة للطاقة النووية على الأقل. وأكد أن البنية التحتية لإنتاج النفط في المملكة تحسّنت وما زالت مستمرة في التحسّن ومحصّنة ضد أي هجوم قد يقع عليها. وأن هذا لا يعود إلى زيادة الإنفاق على مجالات الأمن والمراقبة فحسب، ولكنه يعود أيضاً إلى إنشاء قوة أمنية قوية قوامها 35 ألف فرد ينتمون إلى جميع أنحاء المملكة ويتلقون تدريبات مشتركة مع القوات الأمريكية. حيث تنحصر مهمّة هذه القوة المتخصّصة التي لم تكن موجودة قبل عام 2005، في حماية جميع المنشآت النفطية ضد التهديدات الداخلية والخارجية. وبخصوص العواصف السياسية سالفة الذكر، ذكر الفيصل أن المملكة بصفتها مهداً للإسلام وقائدة للعالمين الإسلامي والعربي لديها مسؤولية فريدة تتمثّل في المشاركة بأي مسار متعقّل ومنصف ونافع لمساعدة تلك الدول التي تعاني الاضطرابات حالياً لكي تصل إلى حالة من الاستقرار السياسي الداخلي. مؤكّداً أن المملكة لديها النيّة الكاملة للوفاء بهذه المسؤولية بما فيه مصلحة الجميع، ليس من خلال الدبلوماسية والبعثات الاستشارية والمساعدات المالية فقط، ولكن من خلال سياسة خارجية تتسم بمزيد من القوة والفعالية تجاه الوفاء بدورها كقائدة إقليمية أيضاً. واختتم " منتدى التعاون الكوري الشرق أوسطي الثامن فعالياته مساء أمس الأول الجمعة ، والذي نظّمه "معهد جيجو للسلام" بالتعاون مع "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي "، وجاءت فعاليات هذا العام تحت عنوان "تعزيز العلاقات الكورية الخليجية في زمن متغيّر". وذلك بحضور نخبة متميّزة من الخبراء والباحثين والسياسيين والمسؤولين والمفكرين في منطقة الشرق الأوسط وجمهورية كوريا الجنوبية. وفي كلمته الترحيبية في المنتدى قال الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، إن هذا المنتدى يعدّ مثالاً ساطعاً على التعاون الوثيق بين دولة الإمارات العربية المتحدة وكوريا الجنوبية بشأن أنشطة البحث العلمي. مضيفاً أن "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" أخذ على عاتقه، منذ إنشائه في عام 1994، العمل على سدّ الفجوة بين صنّاع القرار والمفكّرين والخبراء في مختلف المجالات. وأن المركز يؤمن كذلك بأهميّة الانفتاح العلمي على جميع مصادر المعرفة، ويسعى دائماً إلى تعزيز أسس التعاون العلمي مع المؤسسات المرموقة المعنية بالمشكلات والتحدّيات التي تؤثر في الاستقرارين الإقليمي والدولي. وفي كلمته في الجلسة الخاصة نفسها تطرّق يو يونج هوان، وزير الخارجية الكوري الجنوبي السابق، إلى الحديث عن "اقتراحات لتعزيز العلاقات الكورية-الخليجية"، وعن المنتدى الكوري-الشرق أوسطي الذي بدأ عام 2003 ودوره الهادف إلى تطوير العلاقات بين كوريا ودول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، بخاصة في المجالات الثقافية والاقتصادية. مشيراً إلى أن التحالف بين كوريا الجنوبية ودول "مجلس التعاون" يمثّل "قاطرة جديدة للنمو" تتعدّى قطاع النفط إلى قطاعات أخرى مثل الكيماويات والخدمات المالية وغيرها من مجالات التجارة، ولفت النظر إلى تاريخ التعاون المشترك الذي حقق مصالح الجانبين ضارباً المثل بجهود العمالة الكورية في المملكة العربية السعودية.