أبدى المعماري فرحات خورشيد طاشكندي عضو هيئة التدريس بكلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود من بعض القطاعات الحكومية، والخاصة التي تنظم مسابقات معمارية ثم تسطو على الأفكار وتهدر حقوق الملكية الفكرية وقال ألا يكفي أن أتعاب المعماريين السعوديين أقل من قيمة وحدة إنارة المدخل الرئيسي للمبنى الذي يصممونه، وعرج على الشكاوى التي لا تزال قائمة من مهندسي الأمانات والبلديات، وقال بالفعل لا زال هناك من الموظفين من يقدم مصالحه الخاصة على المصالح العامة؟ وبدون إطالة نترككم مع نص الحوار: ٭ «الرياض»: أنظمة وقوانين البناء هل هي واضحة أمامكم أم أنها لا زالت متوارثة بين مهندسي الرخص في الأمانة؟ - م. فرحات: حسب اطلاعي الشخصي فإن الأمانة تقوم بإعداد طريقة عرض الأنظمة بشكل جيد وعلى اسطوانات مرنة بحيث يمكن الاطلاع عليها عن طريق الانترنت من موقع الأمانة أو الحصول عليها مطبوعة على أوراق أو على شكل معلومات رقمية في أقراص مدمجة ولقد اطلعت على أنظمة البناء على الشوارع التجارية ذات عروض 30، 36 وهي متوفرة الآن في مطبوعات جميلة ومتاحة للجميع. ٭ «الرياض»: هذه الأنظمة لا زالت مجهولة من قبل المواطن لا ترون أن تداولها يرفع من مستوى الوعي والثقافة المعمارية والهندسية؟ - م. فرحات: مما لا شك فيه أن تداول الأنظمة ومعرفتها لا يرفع من مستوى الوعي والثقافة المعمارية والهندسية فحسب بل يتيح فرص الاستثمار في المدينة ويعمل على توضيح صورة العقار قبل عقد الصفقات وعلى العائد من تطوير الأرض العقارية فعندما يشتري المواطن الأرض عارفاً بأنظمة البناء عليها فإنها تؤثر على سعر الشراء وعلى عمليات حساب الجدوى الاقتصادية، وعلى كل حال عدم نشر المعلومات تعمل على انتشار الفساد. ٭ «الرياض»: هناك تذمر من المكاتب الاستشارية والهندسية من أنها تؤخر وتعطل عملائها بالبيروقراطية الحكومية.. أرجو أن تشرحوا لنا هذه الإشكالية؟ - م. فرحات: أنا أعتقد أن التعميم لا يفيد البناء والتطوير فكلما وضعت يدك على المشكلة وحددتها فإن علاجها يسهل عند ذلك، هناك إجراءات يمكن اختصارها لدى البلديات وهناك تقنيات الآن تساعد في ذلك وكذلك لو أن الملاك اختاروا مكاتب استشارية لها خبرة في الممارسة المهنية تعمل على تطوير الأعمال العمرانية في البلد والرقي بالممارسة لوجدوا التشجيع والدعم لأن الأنظمة انما توضع لضبط الممارسة السيئة والواقع الملموس الآن أن هناك نقلة معمارية نوعية في المدينة والأنظمة نفسها لم تتغير فكيف تفسر ذلك؟ أنا أعتقد أن الذي تغير هو نوعية المكاتب التي تمارس المهنة وتنافس الملاك فيما بينهم في تقديم الأفضل، فالموظف الذي يريد أن يعطل العمل لغرض في نفسه لا يستطيع إذا قدمت أعمالاً جيدة ولكن يستطيع أن يضع ملاحظات تعمل على تأخير وتعطيل المشروع ولكن بوجود المخلصين يمكن تحجيم هذه الممارسات الخاطئة ولأن الفساد موجود منذ القدم أتت الشرائع لمحاربته بوضع العقوبات والجزاءات، المهم أن صاحب الحاجة يشتكي ولا ينجرف إلى تحقيق أغراض الموظفين الفاسدين حتى ينكشفوا وأن المتمسك الشديد بالبيروقراطية الحكومية إذا أحسنا الظن به هو رجل لا يثق في نفسه لا سيما إذا قدمت أعمالاً جيدة من مكاتب جيدة وإذا أسأنا الظن فهو بذلك يمرر مشاريع عادية لمكاتب ربما يكون مشاركاً لهم فيها ويتحجج بالبيروقراطية لمعاقبة الذين تركوه وذهبوا لمكاتب جيدة لا تتبع له أو لتعطيل العمل وإطالة المدة مما يفهمه الآخرون بأن عليهم الذهاب لمكاتب هذا المعقد حتى تنحل أمورهم (من رائحة الدخان يمكن التعرف على مواقع الحريق). ٭ «الرياض»: هل لا زالت هناك شكاوى من مهندسي الأمانات والبلديات؟ - م. فرحات: لا زال هناك بعض من الموظفين من يقدم مصالحه الخاصة على المصالح العامة ويعرقل مسيرة التطور والإبداع ويتذرع بالأنظمة، وكما قلت ان الأنظمة انما وضعت للحد من الممارسات السيئة وليس لقتل الإبداع فعندما يرفض الموظف المخلص والمتفاني الأعمال الجيدة ويتمسك بملاحظات يمكن تجاوزها حسماً للوقت فإنه يساعد على الإكثار من موظفي النوعية الأولى فتكوين فريق عمل من الاكفاء يقلل من الشكاوى ويتيح المجال للمكاتب المهنية الجيدة على التنافس وتقديم الأفضل. المشكلة في الملاك أنهم لا يبحثون عن الأفضل ولكن الأرخص أو الذي يمشي معاملاتهم، ولكن لو تكاتفوا مع المكاتب الجيدة فسوف يقطعون الخط على المتلاعبين بحقوقهم وأنا لا أقبل التعميم، إذا عندك شكوى من أحد المهندسين فافصح عنه ولا تعمم ولا تدع الفاسد يضيع بين المجموعة الجيدة. ٭ «الرياض»: بعض المكاتب الهندسية تفرض رسوماً عالية مقابل التصميم بينما هناك مكاتب تكتفي بالقليل.. ما هو تفسير ذلك من وجهة نظركم؟ - م. فرحات: تفسيري لهذا هو الاهتمام بالنوع وليس بالكم فهناك مكاتب تهتم بالكم ولا يهمها الكيف فهي تنتج مشاريع كثيرة بأتعاب متواضعة فهو يطبق القاعدة التجارية المشهورة قليل مع كثير كثير أي مكسب قليل مع عمل كثير مكسب كثير، وللاسف أن هذه النظرة لا تنطبق في المجال العمراني لأن الأعمال التي تقوم بها المكاتب ليست تجارية وانما خدمية يفترض فيها المهنية العالية والنوعية بحيث يضمن للمالك مردوداً مالياً جيداً وللمدينة وللمستعمل بيئة عمرانية ممتازة ولقد قام المعماري علي الشعيبي منذ سنوات عديدة بعمل إحصائية عن الأتعاب المهنية في العالم وتوصل إلى أن أتعاب المكاتب في المملكة هي الأقل في العالم حتى من البلدان المجاورة لها مثل الهند والأردن والدليل على ذلك ما نشاهده الآن من عمران لا نستطيع مقارنته بدول لها نفس الدخل، ويحكي لي أحد الزملاء الممارسين للمهنة أنه ما تم دفعه له من أتعاب بعد تذمر كبير من المالك لتصميم قصر كان أقل بكثير من قيمة وحدة إنارة المدخل الرئيسي، تصور انك تريد أن تستقدم مدبرة منزل أو مربية سويدية بمبلغ 600 ريال شهرياً فهل يمكن ذلك؟ وعلى ذلك فقس. ٭ «الرياض»: هناك سطو ونسخ للأفكار وبيعها كيف يمكن حماية الحقوق؟ - م. فرحات: نظام المطبوعات الجديد يحمي أصحاب المكاتب من ملكية الحقوق الفكرية للمخططات وأننا نحتاج إلى مكتب شجاع يتقدم بشكوى لتفعيل النظام فهناك الكثير من الأفراد ومن القطاع الخاص والحكومي ممن يسخرون المكاتب لتقديم أفكار على شكل مسابقات وخلافه ثم يدعون امتلاكاً لهذه الأفكار وهدر حقوق ملكية الأفكار ومن ثم تنفيذها عن طريق معارف لهم، أو مكاتب تابعة لبعضهم، ونفس الشيء ينطبق على المواطن الذي لديه فكرة إبداعية عليه أن يقوم بتسجيلها قبل التوجه للمكاتب التي تعتمد على الكم في عملها فهم لا يتورعون عن سرقة أفكار غيرهم وتقديم أعمال كربونية من أعمال مشهورة لغيرهم لتقديمها لزبائن آخرين واللوم هنا يقع على المواطنين أنفسهم لأنهم هم من يشجعون هذه المكاتب على الاستمرارية بهذه الطريقة، اعطيك مثلاً لمواطن يريد أن يبني عمارة مثلاً على طريق الملك فهد فهو يشتري أرضاً بمبلغ لا يقل عن 15 مليون ريال ويدفع سعياً لمكتب عقاري 2,5٪ أي 375,000 ريال (ثلاثمائة وخمسة وسبعين ألف ريال) وذلك مقابل جهد بسيط لا يقارن بما يقوم به المكتب الاستشاري ويدفع مبلغاً ربما يصل إلى أكثر من قيمة الأرض لبناء العمارة ثم نراه لا يتوجه إلى مكتب استشاري بل يكتفي بدفع مبلغ قد يتجاوز عشرة آلاف ريال، وذلك أقل بكثير من قيمة السعي مقابل تصميم العمارة وعمل الرسومات التنفيذية المعمارية والرسومات الهندسية الإنشائية والكهربائية والميكانيكية والصحية وبقية الأنظمة إن وجدت ويريدها في مدة وجيزة قد تستغرق أسبوعين فهل يعقل هذا؟ بينما يستغرق العمل المهني أكثر من الثلاثة شهور فهل يعتقد المالك أن العشرة آلاف أو أكثر قليلاً سوف تغطي هذه الأعمال مثل الحسابات الإنشائية الدقيقة ومن ثم الرسومات التنفيذية والتفاصيل الخاصة بها وكمياتها ومواصفاتها ونفس الشيء بالنسبة للأعمال الكهربائية والميكانيكية والصحية والمدنية والتقنية الأخرى، بلا شك أن المبالغ البسيطة لا تكفي لعمل كل هذه الأعمال، فما النتيجة، أما سلق المشروع أو عمل نسخة كربونية من مشروع آخر مع عمل بعض الرتوش على الواجهات لايهام الزبون بأن العمل المقدم مبتكر وجديد وإبداعي ومن ثم تخسر المدينة مبانيها بهذه الطريقة ويخسر الزبون بدفع تكاليف كميات كبيرة من الخرسانات وحديد التسليح الزائدة عن الحاجة وفي توزيع فراغات سيئة مبالغ تزيد أضعاف أضعاف ما وفر من أتعاب المكتب، فمن الملوم الآن الزبون الذي يعرف أنه مخدوع، أم صاحب المكتب الذي يريد أن يوفر كم قرش أم المدينة التي سمحت بظهور مثل هذه المشاريع في واجهاتها الرئيسية، ربما أن هذا النوع من المواطنين هم الذين تكثر شكاويهم عند رفض اللجان لأعمالهم والله أعلم.