هناك عدة ملاحظات تفرض نفسها عند الحديث عن تسانومي الثورات العربية. فالملاحظ ان الشعوب الثائرة ألهمت بعضها البعض بإمكانية تغيير الواقع عبر العصيان المدني والتظاهرات السلمية. هذه الثورات تميزت بالتصميم والصمود وبامتصاصها للخسائر مهما كانت ردة فعل النظام ضدها. لم تبحث هذه الثورات عن الإصلاح بقدر ما بحثت عن هدم كامل النظام سعيا لبنائه من جديد. أصبح واضحا أن لا أصابع أجنبية تدير الثورات خلف الستار، وان الثورة، مائة بالمائة، صناعة محلية. ثبت أيضا اإن الارتباط القومي لا يقع في قائمة مطالب المتظاهرين. إذ لم ترفع في كافة التظاهرات العربية المتعددة أية شعارات تضع المصلحة القومية فوق المصلحة الوطنية أو حتى إلى جوارها. العروبة كإطار لتحديد الهوية تراجعت في مقابل تسيد مفهوم المواطنة كمحفز أكبر جامع للحشود. الملفت ان الشعوب العربية لم تتحرك لنصرة بعضها البعض. لم نشاهد في أي مكان حشوداً جرارة تعتصم أمام سفارات أو مصالح الدول التي تشهد مظاهرات تأييداً لمسعى الشعب في إسقاط النظام. لم يثر أي نقاش حول سبل تقديم المساعدة للشعوب الثائرة سواء أكان ذلك في نزع الشرعية عن النظام المستهدف أو في تبني مطالب المتظاهرين. وضح أيضا إن الأنظمة العربية كانت فاعلة أكثر من الشعوب، وان كان هدف تلك النصرة ناتجاً عن المصلحة الشخصية الضيقة. حديث القذافي للتوانسة وتقريعهم على تخلصهم من "الزين" وأنهم لن يجدوا مثله ليحكمهم، والتقارير التي تتحدث عن دعم جزائري وسوري للقذافي تبين ان الأنظمة حاولت حماية نفسها عن طريق إجهاض ثورة الجيران الشعبية كي لا تستمر مفاعيلها لتصل إلى أبوابهم. اليوم، يبدو مثيرا جدا للانتباه تنصل حتى الأنظمة التي وصلت للحكم عبر الثورة كتونس ومصر من دعم الثورات العربية. فالمنطق يقول انه كان من المؤكد أن تضغط مصر وتونس بقوة دعما للشعبين السوري والليبي بل ولا تدخر أي جهد في سبيل إنجاح الثورات الشعبية ونصرة المبادئ التي اكتسبت منها الشرعية. حتى وسائل الإعلام في الأنظمة التي نجحت ثوراتها، مصر وتونس، تبدو غير مكترثة بما يجري من ثورات في الأقطار المجاورة ناهيك عن نصرتها وتكوين رأي عام محلي ضاغط تجاهها. لا تدفع تلك الوسائل الإعلامية السياسيين المحليين لاتخاذ مواقف ولا تحرجهم بسؤالهم عن رؤيتهم لعدالة ثورات الآخرين. بقي أن نقول إن الثورات الكلاسيكية عادة ما تحركها مظالم حقيقية وتؤسس لنفسها شرعية بعد نجاحها وتسعى للتحالف مع من يماثلونها في الشرعية وتحاول تصدير وتشجيع نموذجها في أماكن أخرى. لم نر ذلك بعد .. لكن الأيام حبلى.