قدّر لي أن أحضر بعض جلسات مجلس الشورى العامة، والمشاركة في بعض اللجان، فوجدت تحت قبة هذا المجلس ساحة للحوار الوطني الحضاري، ووجدت الانتظام في تنظيم الحوار، واحترام اختلاف الآراء وتعدد وجهات النظر. ويركز الأعضاء داخل المجلس على الأفكار ولغة الحقائق والأرقام، ولا يتعرضون لأصحاب الأفكار فالعبرة أو المحك هو الفكرة وليس من طرح الفكرة، والفيصل هو المصلحة العامة. وبهذا الأسلوب يتم التوصل إلى التوصيات بطريقة ديموقراطية حسب النظام المعتمد رسمياً للمجلس. أما خارج مقر المجلس، وفي حياتنا اليومية في المواقع المختلفة، فإن حوارنا مع الأسف يتسم بالحدة والانفعال والخروج عن ضوابط الحوار، وتسليط الأضواء على الشخص وليس على أفكاره. في قنوات الحوار المتعددة ومنها الإنترنت يندر أن تجد حواراً موضوعياً يقود إلى نتيجة. ما يدور في ساحات الإنترنت لا يمكن ان نطلق عليه صفة حوار لأنه عبارة عن صراخ، وانفعال، وشتم، وإشاعات، وأحكام قاطعة، وإلقاء للتهم، وانفلات يؤكد حاجة المشاركين في هذه الساحات إلى برامج تدريبية قوية ومكثفة في مجال الاتصال، والحوار، والتفاعل الإنساني بشكل عام. إنني عندما اتأمل فيما يدور داخل أروقة مجلس الشورى، وداخل مركز الحوار الوطني أتساءل عن امكانية ان ينتقل الأسلوب الحضاري المتبع في الحوار من داخل المجلس، والمركز إلى حياتنا اليومية إلى مدارسنا، ومنازلنا، ومواقع أعمالنا، وأنديتنا الرياضية والأدبية والاجتماعية وجامعاتنا، وإلى ساحات الإنترنت، وإلى المؤتمرات والندوات بكافة أشكالها وأنواعها بما في ذلك المؤتمرات السياسية. الحوار الوطني، مصطلح جميل يتردد في الآونة الأخيرة بصورة شبه يومية في كثير من المواقع. الحوار الوطني هو الشعار المرفوع الآن في العراق، وفلسطين، والسودان وغيرها من الدول بحثاً عن المصلحة الوطنية العليا، ولكن لأنه حوار سياسي فإنه يطول أكثر من اللازم بسبب الانتماءات الحزبية التي تتفوق أحياناً على المصلحة العليا. الكل يطالب بالحوار الوطني، حتى أمين عام الأممالمتحدة كوفي عنان يناشد المتنازعين في كل مكان بالأخذ بالحوار الوطني ثم يقوم هذا الحوار في بعض المواقع ولكنه يفشل أو يستمر بلا طائل لأن كل طرف لا يستمع إلا إلى نفسه. هنا تكمن أهمية الأرضية المشتركة كمنطلق للحوار الوطني، وبعد ذلك العمل الجماعي نحو أهداف واحدة يتجه إليها الجميع وفق نظام وتنظيم يتيح فرصاً عادلة للمشاركة في صناعة القرار. أعان الله مدارسنا فسوف نلجأ بعد الله إليها كالعادة لتعويد الطلاب وتدريبهم على الاستماع للآخرين، وتقبل اختلاف الآراء، والاستناد إلى الأدلة والبراهين الموضوعية في النقاشات العلمية والاجتماعية. أما الكبار الذين يخرجون عن النص ويتجهون إلى صاحب النص فنقترح على مجلس الشورى ان يفتح لهم أبوابه للاستفادة من فن الحوار في أسلوبه وتنظيمه وإدارته. [email protected]