جاء الاحتفال بمرور 81 عاماً على تأسيس المملكة العربية السعودية بالخير الوفير على المرأة السعودية؛ فقد منحها خادم الحرمين الشريفين مزيداً من الحقوق والامتيازات وذلك ثقة منه في عطائها وتتويجاً لمسيرتها، ورغم أن قرار مشاركة المرأة في مجلس الشورى قد حظي بنصيب الأسد من الاهتمام الإعلامي على المستويات المحلية والعربية والعالمية، إلا أن قرار دعم التدريب التقني والمهني والذي يسهم في اقتحام الفتيات سوق العمل ومشاركتهن في التنمية قرار لا يقل أهمية، ويعد تكليلا لإنجازات الحكومة في مجال التدريب والتنمية في المملكة. ولعلي أشعر بالتقدم المحرز في المملكة كوني أقيم خارجها وألمس ذلك في كل مرة أزورها. وقد امتزجت زيارتي الأخيرة للمملكة كما هي العادة بحرارة الشوق إلى الوطن بكل ما فيه مع حرارة الجو التي اشتدت هذا العام معبرة عن حالة المخاض التنموي التي تشهدها المملكة والتي أوشكت على الاكتمال. ونماذج التنمية المجتمعية في المملكة عديدة ومتنوعة. وقد زرت في هذه المرة المعهد العالي التقني للبنات بجدة والذي يمثل واحداً من هذه النماذج، وهو تابع للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني؛ هذا الصرح الطموح مضرب الأمثال على المستويين المحلي والعربي لما يحققه من إنجازات واعية محددة الاتجاهات والأهداف وكلها تصب في خدمة الوطن وتسعى لتنمية المواطن وتهيئته لسوق العمل حيث أنشئت المعاهد العليا التابعة لتلك المؤسسة بناء على احتياجات سوق العمل. اللافت للنظر خلال زيارتي للمعهد العالي التقني للبنات بجدة تلك الروح المتفائلة التي تعم المكان والتي تثبت صدق التجربة، فالمركز حقيقة ينبض بالحياة والأمل والتحدي لكل المعوقات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية .. وذلك بدءا من الفتيات اللاتي يتلقين تدريبهن ولديهن رغبة صادقة في التعلم وتطوير الذات ليقتحمن الحياة العملية ، ومرورا بالمدرسات أو المدربات اللاتي يبادلن الفتيات المتعطشات للعلم والعمل الروح الجادة نفسها فترويهن علما وفهماً وكلهن رغبة حقيقية في العطاء.. ووصولاً لعميدة المعهد السيدة نيقار جان وهي المايسترو المنظم لتلك المقطوعة الفنية المتناغمة، وقد آثرت أن أتجول في أروقة المعهد لأرى عن كثب وعلى أرض الواقع تلك المنظومة فائقة الجمال من الفصول المنظمة والقاعات التي تضم أحدث الأجهزة التي يتطلبها التدريب الفني الخاص بالبنات في المملكة، وكذلك انجازات البنات. وقد أكدت جان أن منتجات المتدربات من خريجات المعهد أضحت منافسة للمنتجات في السوق المحلية. ويقدم المركز دورات تدريبية على تقنية التصميم وإنتاج الملابس والتزيين النسائي وهي مجالات تتطلبها سوق العمل السعودية وتشغلها عمالة آسيوية وافدة بنسبة عالية للغاية، الأمر الذي يتطلب سعودتها بأسلوب علمي ومنظم ، وقد أبدت الفتيات فخرهن بالعمل وعدم الحرج من خوض أي مجال يثمر كسب لقمة العيش بشكل مشروع ويشغل الوقت بما هو مفيد للفتاة ولمجتمعها. الجدير بالذكر أن المعهد يضم فرعا لبنك التسليف والذي يقدم بدوره قروضاً للمشروعات الصغيرة، وفي الواقع فإن التدريب وإقامة المشروعات الصغيرة وجهان لعملة واحدة ، والفتاة يمكنها أيضا أن تحصل على قرض لإقامة مشروع معين ويقوم المعهد بعمل دورة خاصة للتدريب على إقامة هذا المشروع.. الأفكار الجديدة والجيدة لا تعرف المستحيل ولا مانع من تضفيرها في خطة المعهد، فمن الأهمية بمكان أن تتصف الخطط التنموية بالمرونة، فليس عيبا تصحيح المسار لما يتماشى مع متطلبات السوق. وستتم زيادة تخصصات المعهد إلى 23 تخصصاً. كما سيضاف إلى المقررات برنامج kab الدولي الذي يسهم في إيجاد ثقافة الريادة وتعزيز الوعي لدى الفتيات بعالم الأعمال. أما ما أثار انتباهي حقيقة هو هذا الطابور الطويل من المتقدمات الراغبات في تلقي التدريب واقتحام سوق العمل، فيبلغ عدد المتدربات في المعهد 500 متدربة بينما هناك 1887 على قائمة الانتظار، وذلك بسبب عدم وجود الطاقة الاستيعابية من الأماكن المجهزة وغيرها التي تلبي هذه الطلبات!! وجاء قرار خادم الحرمين الشريفين - بمناسبة الاحتفال بالذكرى الحادية والثمانين لليوم الوطني للمملكة - بقبول جميع المتقدمين للتدريب على مستوى المملكة فوراً في الفترة المسائية للمعاهد العليا مجاناً فيما يسمى بالدبلوم الموازي وكان قرارا بمثابة قارب نجاة للراغبات في التدريب وتحدي البطالة واختراق سوق العمل. أتمنى التوسع في تجربة تدريب البنات في المملكة تلبية لتوجهات حكومتنا الرشيدة في رفع شأن المرأة وتماشياً مع تعاليم ديننا الحنيف التي تحث على رعاية المرأة ، فهي تجربة تخدم بلا شك طموحات الوطن في زيادة إسهام الفتيات في الحياة العملية، خاصة المبدعات اللاتي قد يصبحن سيدات أعمال من الطراز الثقيل يفخر بهن الوطن وتسهمن في النشاط الاقتصادي، فلا بد من تشجيعهن والوقوف إلى جانبهن في مراحل حياتهن الأولى والمهمة حيث يتشكل - بعون الله ومساندة أولي الأمر - المستقبل الذي هو جزء من مستقبل الوطن، فهناك طريقان في مرحلة المهد؛ إما أن تيأس الفتاة وتتوارى خلف الأسوار أو أن تبرز وتنمو في ظل احتضان الوطن وتحت الإشراف التنموي الذي يوجهها الوجهة السليمة ويطلق إبداعاتها. ومن خلال عملي في إحدى مؤسسات جامعة الدول العربية أستطيع أن أقول بكل فخر إن تجربة التدريب التقني والمهني في المملكة لها قامتها بين تجارب الدول العربية. ويسعى الكثيرون إلى تطبيقها نظرا لمردودها الجيد ومساهمتها الفاعلة في الحد من البطالة بين شباب المواطنين. فالشباب من الجنسين لديهم طاقة هائلة تحتاج إلى التوجيه السليم، والتدريب الجيد يكسبهم الثقة بالنفس ويمكنهم من مواجهة المواقف الصعبة في سوق العمل، وهو الأمر الذي يحتاجه رواد الأعمال من الشباب على مستوى الوطن العربي بمختلف أقطاره.