يتلّون الفساد الوظيفي ليظهر بأشكاله المتنوعة من خلال مسؤول يحاول أن يخون أمانة ثقة الوطن به، بالتكسب من منصبه، والحصول على مصالحه الشخصية عن طريق محسوبياته، ومجاملاته لمسؤولين آخرين يتقاسمون التنفع بذريعة انعدام الضمير وعدم استشعار الأمانة؛ ذلك ما يحدث ويدار في واقع بعض المسؤولين؛ حينما يتعامل داخل دائرته - سواء في القطاع الحكومي أو الخاص- كما لوكانت تركته الموروثة، فيستبدل شاباً متميزاً بقدراته متقدماً لوظيفة من أجل ابن مسؤول آخر يطلب منه تنفيذ مصلحة ما، ويقبل طالباً ضعيفاً في معدله الدراسي على حساب طالب بمعدل مرتفع باسم المجاملات، يأمر بتنفيذ مصالح «مدير دائرة حكومية» بشكل عاجل حتى يظفر بتسهيل أموره في تلك الدائرة، ويدعم مسؤولاً في بعض الجهات الرقابية حتى يفوز بقدر من المرونة في التعامل معه.. ذلك ما يحدث من بعض المسؤولين الذين يتخذون مناصبهم وسيلة للتكسب ولعقد صفقاتهم اللا أخلاقية المشبوه تلك. وعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة في محاولة تتبع قضايا الفساد والرشوة والتي لا تقتصر على تقاضي المال، إلاّ أنه لا يوجد حتى الآن وسائل دقيقة للكشف عن تلك الممارسات غير النزيهة والتي تدخل ضمن «الفساد الإداري». وقد أعلنت هيئة الرقابة والتحقيق أنها أنهت مئات القضايا من التزوير والرشوة، ولكن من الملاحظ أنه لا يوجد تتبع دائم وإعلان مستمر للكشف عن قضايا تتعلق بالفساد الإداري الذي يدخل في التكسب من الوظيفة، والدليل على ذلك وجود تلك الممارسات بشكل واضح في الأوساط الوظيفية دون التدخل فيها في بيئات العمل، فهل ذلك يعني بأن العقوبات مازالت غير كافية لردع هؤلاء؟. وينص نظام مكافحة الرشوة على عقوبات كثيرة، وقد ذكر في المادة السادسة مايلي: (كل موظف عام طلب لنفسه أو غيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية بسبب وظيفته لمتابعة معاملة في جهة حكومية ولم تنطبق عليه النصوص الأخرى في هذا النظام؛ فإنه يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على خمسين ألف ريال أو بهاتين)، والسؤال: هل يكفي ذلك ليرتدع المتكسب والمفسد؟، ثم من يستطيع أن يكشف فساده ذاك؟.