ألقى رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ خلال تشريف خادم الحرمين للمجلس أمس الكلمة التالية.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أصحاب السمو الأمراء أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي والسعادة أيها الحضور الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرحباً بكم في رحاب مجلس الشورى خادم الحرمين الشريفين: إنه ليوم مبارك وأنتم تتفضلون بإلقاء خطابكم الكريم للسنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، وكم هي كثيرة أوقات الفرح في هذا الوطن الذي منحتموه أيدكم الله حبكم ووفاءكم، وها نحن اليوم نزداد فرحاً وتألقاً بإطلالتكم التي ينتظرها المجلس وشعبكم الوفي للاستماع إلى توجيهاتكم السديدة. وهاهي المملكة العربية السعودية ترفل بوافر من النعم التي من الله بها على هذه البلاد المباركة، ويوماً بعد يوم يجد المواطن في هذه البلاد عطاءات وإنجازات جديدة يصعب قياسها ويتعذر حصرها، فكانت إنجازاتكم لا تحد بحدود ولا ترتبط بزمن، واختصرتم المسافات من أجل رفعة المواطن وعلو شأنه وطيب عيشه، وشملت توجيهاتكم وقراراتكم خلال العام المنصرم شؤون المواطنين، واستهدفت تحسين مستوى المعيشة ومواجهة ظروف الحياة والانسجام مع متطلباتها المتزايدة، وركزت هذه القرارات على موضوعات تنموية ومعيشية تصب في مصلحة المواطن وتسهم في دعم مسيرة البناء والإصلاح حيث شملت مجالات الإسكان والصحة والأمن والخدمة العسكرية وتحسين مستوى الدخل والضمان الاجتماعي والبطالة والتعليم والابتعاث وتعزيز الرقابة ومكافحة الفساد ودعم الإفتاء. وامتدت إلى تعزيز مكانة العلماء ودعم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومكاتب الدعوة والإرشاد وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم وترميم المساجد ودعم الجمعيات المهنية والثقافة والأدب والرياضة إضافة إلى العفو عن سجناء الحق العام والتسديد عن المطالبين بحقوق مالية. وصدر أمركم الكريم بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء صيانة للشريعة وحفظاً لحمى الدين وتعظيماً له من الافتئات عليه وقطعاً لكل دواعي الفتنة والتشويش على الأحكام، وعلى صعيد رسالتكم تجاه المسلمين وخدمتكم للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والحجاج والمعتمرين والزائرين وضعتم في شهر رمضان الماضي حجر الأساس لمشروع توسعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحرم المكي الشريف تلك التوسعة التي تعد أضخم توسعة للمسجد الحرام في تاريخه. وأطلقتم عدداً من المشروعات الكبيرة التي تيسّر للحجاج أداء نسكهم، فكانت هذه المنجزات الكبرى: وقف الملك عبدالعزيز للحرمين الشريفين ومنشأة الجمرات الحديثة وقطار المشاعر، وألحقتم بذلك توجيهكم الكريم بتوسعة المطاف وإقرار مشروعه الرائد الهادف إلى زيادة طاقته الاستيعابية من الطائفين، وقبل ذلك مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم، لتُسجّل هذه الإنجازات الكبرى في سجل عطائكم الزاخر خدمة للإسلام والمسلمين ورعاية للمقدسات الإسلامية. وفي خضم ما تشهده الساحة العربية من أحداث متسارعة انتهجتم رؤية سديدة وموفقة تجاه هذه الأحداث وأكدتم على أهمية الأمن والاستقرار واجتماع الكلمة ووحدة الصف وكان موقفكم مع أشقائكم في دول الخليج تجاه ما تعرضت له مملكة البحرين الشقيقة موقفاً عظيماً ونبيلاً يعبر عن مدى التلاحم والترابط والمصير الواحد الذي يجمع أبناء الخليج ويؤكد الوقوف صفاً واحداً ضد كل ما يراد لدوله، ثم جاء الإعلان عن المبادرة الخليجية تجاه الأزمة السياسية في اليمن الشقيق لتنم عن عظم الإحساس بالمسؤولية تجاه الأشقاء والرغبة الصادقة في الخروج من الأزمة بسلام واستقرار للشعب اليمني الشقيق، وترجم خطابكم الأخوي الصادق إلى الأشقاء في سوريا نبل مواقفكم حينما أعلنتم وقوف المملكة تجاه مسؤوليتها التاريخية وطالبتم بوقف آلة القتل وإراقة الدماء وتحكيم العقل والاختيار بين الحكمة أو الانجراف إلى الفوضى والضياع، خادم الحرمين الشريفين: إن مسؤولي مجلس الشورى وأعضاءه ليشرفون بأداء المهمة الجليلة والدور الحيوي الذي يختص به المجلس، ويعلمون عظم حجمه، ويدركون مسؤوليته، وقد حظيت السنة الشورية الماضية وهي السنة الثانية من الدورة الخامسة للمجلس بكثير من الأعمال والمناقشات والتوصيات والقرارات. فخلال ثمان وسبعين (78) جلسة عقدها المجلس في عامه المنصرم أصدر عدداً من القرارات حيال الموضوعات التي درسها وناقشها سواءٌ ما يتعلق منها بمشروعات الأنظمة واللوائح أو تقارير الأداء أو الاتفاقيات والمعاهدات ، ومن هذه الموضوعات التي تمت دراستها: 1- مشروع نظام إيرادات الدولة. 2- خطة التنمية التاسعة. 3- مشروع الإستراتيجية الوطنية للنقل. كما أصدر المجلس ستة وستين (66) قراراً تتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات بين المملكة والدول والمنظمات الدولية في المجالات المختلفة، هذا إلى جانب ما يمارسه المجلس بموجب اختصاصاته ومهامه في مجال الدبلوماسية البرلمانية المتمثل في مشاركاته في المؤتمرات والاتحادات البرلمانية المختلفة للتعبير عن واقع المملكة وسياساتها وجهودها تجاه مختلف القضايا، وقد أسهمت تلك المشاركة في إبراز المكانة المرموقة التي تحظى بها المملكة على الأصعدة والمستويات كافة، واستطاع المجلس بفضل الله تعالى أن يسجل حضوراً لافتاً في تلك الأنشطة البرلمانية، وتعزيزاً لهذا الدور كان هناك زيارات من مسئولي مجلس الشورى ولجان الصداقة فيه لعدد من المجالس واللجان النظيرة في الدول الشقيقة والصديقة أثمرت عن مزيد من التواصل وعززت من فرص تنمية العلاقات والروابط، وفي الإطار ذاته استضاف المجلس وفوداً سياسية وبرلمانية مختلفة اطلعت على ما تعيشه المملكة من تطور وما تم من منجزات في جميع الأصعدة، ولا يفوتني في هذا المقام أن أشير إلى مشاركة المجلس في الاجتماع التشاوري الثاني لرؤساء برلمانات مجموعة الدول العشرين الذي عقد في العاصمة الكورية سيئول يوم الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة من العام الجاري. خادم الحرمين الشريفين: في إطار اهتمامكم - حفظكم الله - بكل منطقة في هذه البلاد الذي هو عنوان نهجكم، ووفقاً لتوجيهاتكم السامية الكريمة فقد بدأ مجلس الشورى وبدعم من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بفتح قناة تواصل بين مجلس الشورى ومجالس المناطق إيماناً بالدور التكاملي والحيوي الذي يمكن أن يصنعه هذا التواصل من خلال تلمس حاجات المناطق ومتطلباتها وإيجاد تعاون بناء يسهم في الرقي بكل رقعة من هذا الوطن الكريم، وتعزيزاً لأهمية هذا التعاون فقد أنشأ المجلس لهذا الغرض إدارة تعنى بذلك تحت مسمى "إدارة شؤون مجالس المناطق"، واحتضن مجلس الشورى اللقاء الأول بين أعضاء مجالس المناطق ورؤساء اللجان المتخصصة في مجلس الشورى الذي عقد بتاريخ العشرين من شهر صفر من هذا العام وذلك كبداية للقاءات عديدة سيكون لها بإذن الله نتائج طيبة تحقق تطلعاتكم. وفي إطار دور مجلس الشورى، وحرصاً على التواصل مع المواطنين والوقوف على تطلعاتهم واقتراحاتهم وآرائهم فقد أنشأ المجلس لجنة متخصصة تسمى "لجنة حقوق الإنسان والعرائض" تجد الاقتراحات والآراء في هذه اللجنة دراسة ومناقشة واهتماماً وصولاً إلى الرأي الأصوب والأكمل، وتعقد هذه اللجنة اجتماعات متتابعة يخصص بعضها للقاء بالمواطنين وقد حضرت إحدى اجتماعاتها حيث استمعت عن قرب إلى ما لديهم، كما أنشأ المجلس إدارة خاصة للتواصل مع المواطنين تعنى برصد ومتابعة مطالب المواطنين واقتراحاتهم وتحقيق بعد آخر من التواصل معهم وملامسة همومهم وتطلعاتهم، ولقد برهن شعبكم على صدق ولائه ومحبته لمليكه ووطنه فأظهر مدى اللحمة والترابط بينه وبين قيادته فأبهر العالم بتلكم العلاقة الفريدة التي مبناها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فانكفأ الأعداء ومروجو الفتنة خائبين خاسرين، فالحمد لله أولا وآخراً على تلكم النعمة.