الاستراحات هي نمط جديد شاع أخيرا. وتوجّه صار الناس ينزعون إليه أو يميلون. وأرى أنها تُعادل الصوالين أو مجالس النخبة التي شاعت أيضا لا لقضاء الوقت واللقاء. لكن الأخيرة (الصوالين) يصاحبها شيء من الغرور والاعتداد وبعض الأحيان الزهو. فالزائر إذا لم يكن من نفس الطبقة المالية سيتعداه الحديث، ويمرّ رأيه دون ملاحظة. واستقباله فاتر. موجود هذا في نفسية كل البشر لكنه يبرز عندنا. الاستراحات - عندي - أقل كلفة، مبسّطة وغير مركبة ولا مُترفة. لدينا مجتمع مادي غريب. فحتى لو كنت ذا مشاعر نبيلة وتتمتع بيقظة فكرية وخبيراً بالأنشطة التي تمارسها فإن هذا كله لن يعوض نقصك أمام بعض من شرائحنا الاجتماعية ممن أعطاهم الله حب "وزن الناس" وأعطاهم التقديرات. فحتى لو كنت حسن النية فإنه سيطلق عليك لقب "صحيح" أو "ابن حلال" إذا كان الوعي التجاري لديك قليلاً أو معدوماً فما لم تكن ضمن "تكتل" معين يضم المستغلين والفضوليين والمتطفلين فأنت "غشيم" في عالم البيع والشراء والدوران أيضاً. هراء كلها تلك التعريفات المبتذلة فقد تكون لأعمالك صفات الجمال والشاعرية التي تذهب عن الغير الحزن والكآبة واليأس أو أنها تنقل الغير من ظلمة الليل إلى ضوء النهار. في مجتمعنا نجد من الصعب جداً مقاومة الاتجاه العام الذي يعطي الفرد صفة العبقرية والجدارة مادام يمتلك رصيداً جيداً في المصارف "الوطنية والأجنبية" ومجموعة من الأسهم وعضويّة فعالة في أكثر من مجلس إدارة ومعرفة الاتجاه العام في التعويضات العقارية وأين ستكون ضربته المقبلة وكما قلت سابقاً فإن هناك أناساً تنعدم عندهم هذه الأشياء كلها ولا يملكون إجابة أو ردّاً عن تلك المواضيع عندما تثيرها "الشلة".. ومختصر القول انه عالة أو "علة" على التكتل الذي اشرت إليه. هناك رجال فكر وأدب وفن ورواية ومسرح بلغوا شهرة واسعة وحصلوا على مختلف الجوائز في العطاء الفكري ومع ذلك تجد الواحد منهم لا يعرف كيف يوازن حسابه في دفتر الشيكات هذا إذا كان لديه دفتر شيكات، وأذكر على سبيل المثال الكاتب والروائي الايرلندي صموئيل بيكت ففي عرفه أن حياته هي أعماله لذا فهو لا يرغب لذة الاجتماعات واللقاءات الصحفية رغم انه اختار فرنسا مقاما والفرنسية لغة وكانت شخصيته موضوعا لأكبر عدد من الدراسات والأبحاث واتجهت إليه الأضواء بحكم موقع باريس فكان يبتعد عنها ونال عدة جوائز منها جائزة نوبل البالغة مليونا وخمس مئة فرنك فكان يستلمها ليعيد توزيعها على الناس وقد نبهه بعض أصدقائه إلى قدم سيارته الصغيرة "1960" ونصحه باستبدالها فأجابه الكاتب بأنها مازالت تعمل ولا داعي لتغييرها ثم أردف "مع أنني أضعت مفتاحها منذ سنتين" ثم أخرج من جيبه سلكاً معدنياً ملوياً فأدار به محرك سيارته. لا أعتقد بأن ذلك الرجل يعاني من عقدة "ابن حلال" لأنه لا يخالط إلا نخبة معينة.