انتشرت في الآونة الأخيرة عبارة " مع نفسك " صحيح أن أغلى ما نملكه النفس ولكننا لا نريد أن نكون معها فقط أو نزرع حب الذات لأنفسنا أو نعيش حياة الانفرادية وهو ما يبحث عنه كل من أراد التأثير على الآخرين من خلال تفكيك المجتمع وجعله أفراداً منعزلين، ولعل ما توصل إليه عالم الاجتماع الأمريكي ثورستن سيلين Thorsten sellin في نظرية التفكك الاجتماعي هو ما حذر عنه ديننا الإسلامي ففي الحديث الشريف " إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" فالظاهرة الاجرامية بحسب ما توصلت إليه النظرية تعود إلى التفكك الاجتماعي، وترويج مثل هذه العبارات السلبية يؤثر على السلوك العام للمجتمع شئنا أم أبينا، ولنا في تجارب المجتمعات خير دليل، فالثقافة والمعلومات التي اتخذت اللغة وسيلة لها هي المحرك الأساسي للسلوك الانساني، والغريب في الأمر أن إعلامنا أيضاً يشارك في نشر هذه الثقافة أو بمعنى أصح أن بعض برامجنا المحلية هي أيضاً تروج لهذه العبارة بحثاً عن الكوميديا فتنشر ثقافة الانفرادية بقصد منها أو بغير قصد، وإن كانت الثانية فالمصيبة أعظم، والتأثير في السلوك إيجاباً أو سلباً يأتي بعد عدة مراحل سبقتها تبدأ من جذب انتباه المشاهدين وغالباً ما يكون ذلك بالمسلسلات أو البرامج الكوميدية يليها الفهم والادراك وبعد ذلك يتبنى ما فهمه أو ما يسمى بالتبني ثم يكون التأثير على السلوك نتيجة لما فهمه وتبناه وهو الهدف من البرنامج أو المسلسل أو أي شعار يطلق . وما هو محزن أكثر ويدعو للتأمل أننا قطعنا شوطاً لا يستهان به من عملية التأثير فينا فلا تكاد سيارات شبابنا تخلو من عبارة "مع نفسك" قبل أن تسمعها منهم وتغرد بها ألسنتهم ، وهذا دليل التبني ولا نريد أن نصل إلى مرحلة السلوك، فهل استخدام مثل هذه العبارة والاشهار بها عبر الملصقات في نوافذ السيارة أو جوانبها دليل العجز عن العطاء والمبادرة وفقد العمل الجماعي هذا ما لا نتمناه، فلا نريد مثل هذه العبارات أن ترصد واقعنا خصوصاً وأن بعض شرائح المجتمع غير محصن ويختلط عليه الأمر فيظن السلبي ايجابياً، وأغلب هؤلاء يكون سلوكهم نابعاً من "التقليد" كأن يقلد صغير السن الكبير أو تقلد مجموعة من الشباب سلوكيات مجموعة ما في مجتمعات أخرى، وكثيراً ما تكون عملية التقليد في مرحلتها الأولية تقليداً من دون تفكير . وبما أن كل تغير ثقافي في أفراد المجتمع يعكس سلوكاً جديداً سلباً كان أو ايجاباً فهذا يجعل المهمة المناطة على الباحثين الاجتماعيين وعلماء النفس والتربويين تزداد في هذا العصر المتغير لدراسة الظواهر السلبية الناشئة والتحذير منها قبل أن تغرس أنيابها في مجتمعنا ،فالغصن الأخضر يسهل تقويمه، وكذلك تهيئة نتائج البحوث والدراسات للإعلاميين ونشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة للمشاركة في تقويم الظواهر السلبية، أو على الأقل حثهم للابتعاد عن مثل هذه العبارات في البرامج أو المسلسلات، فباب الكوميديا واسع وهناك الكثير من العبارات والكلمات الفكاهية فلا نخرب ما بنيناه بأيدينا، ولتكن عبارة "مع بعضنا" بديلاً لو رأينا أن السيارة تشتكي عدم وجود ملصق !! لأنها تعكس ما تعلمناه في الصغر بأن العصي مجتمعة لا تنكسر لكنها إن افترقت تكسرت آحادا . * مختص في الإعلام التربوي