لعل من أجمل خصوصيات الثقافة السعودية ذلك التنوع الفكري والمعرفي والتراثي الذي تتمايز به مختلف مناطق المملكة بعضها عن بعض، وإذا كان التماثل في المضمون والشامل هو أمر عتيادي.. فإن من غير الطبيعي القول بأن التفضيل في هذه الخصوصيات أمر غير مباح، وإذا كانت البيئة السعودية غنية جداً في تفاصيل كثيرة تشبه أشجار النخيل في بلادنا فإن من المستحسن القول على سبيل المثال: ألا سكري يعلو على سكري القصيم، أو عجوة على عجوة المدينة، أو خلاص على خلاص الحساوي.. وهكذا. ولعل ثمرة نكهتها وروعتها التي تحدد هويتها وشخصيتها المكانية والزمانية، وقس على ذلك التنوع الزراعي والتميز لكل منطقة في نوعية التخصص من المنتج والإسقاط يجوز فيما أرى على التنوع الثقافي والتراثي. وجازان - مدينة في تنوعها التراثي لبيئتها الغنية والثرية بكل مقومات الإبداع الفني والمعرفي التي منحت هذا التراث الوجداني العميق صفة التميز في الأداء والحركة والنص فأصبحت رقصاتها الشعبية على سبيل المثال طبقاً فاتحاً للشهية التي تعرض في أوانٍ فخارية أو حجرية من بيئتها المحلية، وإذا كان لهذه الفنون إجمالاً صيت تحقق في مختلف الفعاليات والمناسبات الوطنية ومنها مهرجان الجنادرية مثلاً فإنه وللحق قد تشرفت فرق المنطقة في تمثيل الوطن إلى جانب فرقة العرضة السعودية وغيرها في الأيام والأسابيع الثقافية السعودية في خارج المملكة مما استدعى لها جمهوراً إضافياً عاشقاً لمفرداتها الحركية والإيقاعية الفريدة. ومع ذلك كله وبالمجمل فقد لا يستطيع الكثير التصديق إن قلت إن اللجنة المعنية في منطقة جازان أصبحت تحارب وتصادر فنون جازان بالإقصاء أو التهميش في مختلف المناسبات عكس ما هو حاصل في المناطق الأخرى، بل وتقوم أحياناً بطلب فرق شعبية لا علاقة لها بفنون جازان وإذا كان الوضع يستدعي التنويع في عرض فنون أخرى فهذا أمر محبب ولا إشكال فيه ولكن أن يتعمد مصادرة فن ثراثي عريق لمنطقة يزيد سكانها عن مليوني نسمة وفي منطقتهم الجغرافية والإدارية فهذا أمر محير ويتطلب إجابة تفصيلية حياله، وليت الأمر يقف عن حد ذلك بل إن السنوات الأخيرة في لجنة مناسبات جازان التي جاءت فعالياتها في أدنى مستوى تنظيمي وتراثي لها شهدت تهميش المبدعين سواء من أصحاب الخبرة أو الشباب في مثل هذه الفعاليات وسواء فيما يخص الفنون الشعبية أو المهن والحرف اليدوية أو تنظيم الاحتفالات وأسندت الأمر لغير أهله ممن لا يفقهون شيئاً في مثل هذه الأحوال وذلك حينما كان هم اللجنة استرضاء الشركات المنظمة وكم من المقابل يمكن أن تدفع من رسوم مقابل تقديم ما يمكن تقديمه من خدمات أو عروض هزيلة. وحتى مشاركة المنطقة في فعاليات مهرجان الجنادرية للسنوات الأخير طرحت أكثر من علامات استفهام أمام الزوار والمتابعين الإعلاميين بسبب ضعف مشاركة المنطقة عما كان مألوفاً لسنوات طويلة من التميز والإبداع والاستعداد السيئ وضعف الاحتفاء بالشخصات الزائرة للقرية التراثية مع تهميش جانب الفنون والحرف التي هي الركيزة الأساس من المشاركة واهتمام المشاركين في القرية التراثية بالترزز أمام وسائل الإعلام للظهور والاستعراض فحسب مع تحقير وتهميش مشاركة من سبقوهم.. وهو الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام عن منجزات اللجنة المعنية في هذا الاتجاه وما الذي لديها بعد لتقدمه؟ والأمل معقود في تدخل صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز لإعادة تشكيل مثل هذه اللجان بمن يراه سموه من أهل الحل والعقد والتميز الاجتماعي من أبناء جازان لإعادة وهجها المفقود والمصادر في وضح النهار، وللمحافظة على تراث جازان العريق والمتألق، فكيف إذاً تتمايل الأبدان طرباً وشجناً مع إيقاعات الخطوة والزيفة والسيف والعزاوي حيثما تحل الفرقة الجازانية القمحية ويقف لها الجميع احتراماً، وحيث ولدت وترعرعت وشبت لا إيقاع لها ولا أب لها.. وكأن زامر الحي حينها حقاً لا يطرب؟!!