مازلت في الهاجس الأمني وحقوق الإنسان، لأن البيئة جزء أساسي للأمن ولحقوق الإنسان، فالبيئة المستقرة الجيدة تساعد كل منهما، ولعل الحوادث والكوارث شيء مكروه لكليهما، فرجال الأمن أكثر ما يخشونه ان تسبب انفلاتا بالأمن، يعبث به المجرمون وقطاع الطرق، ورجال حقوق الإنسان يخشون أن يذهب أبرياء بجريرة غيرهم.. خاصة لا وقت لرجال الأمن للتحقيق العادل فتغدو الكوارث هما مشتركا. رحلتنا للولايات كانت الجمعة صباحا 26 رمضان، وصلنا على الثالثة والنصف عصرا بتوقيت نيويورك، وهناك علمنا ان العاصفة (ايرين) قادمة، ساعات لا تتجاور الأربع عشرة ساعة. سلمنا أمرنا لله وأخذنا التعليمات كاملة من القائمين على الفندق. في آخر رحلة تصل لنيويورك قبيل إغلاق المطار حضرت ابنتي من ولاية اخرى جاورتها في المقعد سيدة خمسينية، وجرى حديث بينهما في بدايته عادي، عمن تكون ولمَ تأتي نيويورك في وقت عصيب، شرحت لها ابنتي، وتكلمت هي عن سبب قدومها، هي عضوة في الصليب الأحمر، هي وأعداد أخرى يشكلون فريق احتياط جاهز للأزمات، ويصدف أن تجد السيدة مع مجموعة كبيرة من سيدات ورجال كهؤلا. كل قدم من مكان ما، يتعارفون في الحافلة.. وتعرف ابنتي اكثر، يحملون معهم عدد إسعاف بسيطة، ومخدات، تظن ابنتي أنهم يحتاجونها خلال رحيلهم من طائرة لأخرى، لكن ترد سيدة عليها انهم لا يعرفون أين يمكن أن يناموا.. عندما تبدي إعجابها بنظامهم، يقولون لها إنهم يرحبون بكل جنسية ومن كل دين.. يطلبون إيصالهم للموقع قبل بقية المسافرين، الذين يرحبون بذلك. وتطلب ابنتي مني مزيدا عن هذه المنظمة التي بدأت تنصرية، ومن ثم تطورت لتمارس أعمال الإغاثة والدعوة مع بعض، ونجحت في أماكن كثيرة وأخفقت في أماكن أكثر ومنها دول الخليج، وليس هذا موضوعي، لكن موضوعي هو كيف يمكن أن نرى البنيان المرصوص.. الكل يساعد الكل، وكل الناس يتأهبون لنصرة إخوانهم، رغم أن العاصفة مرت بسلام، إلا أن التعليمات والتأهب أخذ مأخذا كبيرا وعومل بطريقة كبيرة أحسست أنه مبالغ فيها كثيرا.. ومنها ندرك قيمة الإنسان والتكاتف الذي يبلغ مداه، والجنود الاحتياط لعمليات الإغاثة الجاهزون عند الطلب. ونسأل أنفسنا ونقارن، لكن قبله لماذا لا نسعى ليكون لدينا كذلك مع الهلال الأحمر السعودي، فكل عمل يبدأ بفكرة والفكرة أجمل لو كانت من داخلنا لكن ان تعذر فلدينا أمثلة. أحيانا يجبرك المنظر على الذهاب بفكرك للقريب البعيد، وأتذكر الدمام عندما تغرق بشبر ماء، والأدهى غريق جدة.. وعواصف الغبار حيث تزدحم المستشفيات بالمواطنين والوافدين هنا ما كان يؤلمهم أن المطر صار أكثر من كفاءة المجاري، ورغم ذلك خلال بضع ساعات كانت الشوارع جافة.. لا لجان ولا مواعيد ولا طرق مقطعة، والمطار يستأنف عمله الاثنين.. وأعود للهاجس الأمني وحقوق الإنسان في الكوارث حيث يتحد الكره لها، وحتى لا يرتبك عمل الجهتين، فلا المجرمون ينطلقون لأخذ الفرصة الذهبية، ولا الأبرياء يذهبون ضحية، هو التجهيز من قبل العاصفة والتحضير لها بحيث يتم التنسيق مع جميع اللجان الخيرية الأهلية والحقوقية لتشكل درعا لحفظ الأمن والحقوق في وقت واحد. البنيان المرصوص الذي دعا له سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.. نراه يتحقق في بلدان العالم أجمع، ولعل اليابانيين منحونا أجمل مثال له، وقدر لي أن أرى تصرف الأمريكان (سواء كنا ضد سياساتهم في أقطارنا العربية أم لا) إلا أننا نعجب من هؤلاء وهم يحافظون على شجرة قديمة، ويجلون السكان خلال يومين، كيف هانت الدول الأخرى عليهم وكيف هان المتحف العراقي.. عفوا إنه كسر للبنيان المرصوص.. عفوا ومعذرة..