العدد الأخير من مجلة (المنهل) جاء يحمل بين ثناياه ملفا موسعا احتفائيا، بمؤسس المجلة الأديب عبدالقدوس الأنصاري - رحمه الله - في الذكرى الثلاثين على رحيله، إلى جانب ما قدمه الملف في سياق رحيل الكبار، وذلك بما قدمه في ملف آخر، عن الأديب عبدالله عبدالجبار - رحمه الله - تلاه موضوع آخر عن الأديب عبدالله بن خميس رحمه لله.. كما ضم الإصدار العديد من الموضوعات المحلية والعربية في عدة مجالات إبداعية ثقافية وفكرية متنوعة، والتي جاء منها ملفا عن حقيقة معنى النسخ في القرآن الكريم للدكتور محمد عمارة، الذي تناول هذاالموضوع من عدة جوانب رئيسية جعلها منطلقات رئيسية لموضوعه.. فموضوع عن العالم العلامة شهاب الدين أبو العباس الشيخ أحمد إسماعيل بن إبراهيم موسى القاهري الشافعي.. وآخر عن الإمام الحافظ أبو عبدالرحمن بقثي بن مخلد بن يزيد الأندلسي القرطبي، إلى جانب موضوع جاء عن الإسلام في أندونيسيا بين الماضي والحاضر.. ومما حفل به استهلال المجلة في "مما قل" لمؤسس المجلة وتحت عنوان ( بحر لا ساحل له) يقول: حقا أن هذه الصحافة كالخضم المتلاطم الذي لا ساحل له، فما يتقدم إنسان فيها - مهما يتقدم - إلا واعتراه شعور صادق عميق بأنه ما يزال يدرج في الساحل أو قريبا من الساحل.. وقد ارتاد بحر الصحافة العظيم قبلنا شعوب ناهضة، ورتاد معها أو قبلها أو بعدها شعوب أخرى، فمن سابق ومن لاحق ومن ةمتقدم ومن خمتأخر؛ ولكن الشعور الشامل الذي يسود الجميع أنهم لا يزالون يدرجون قريبا من الساحل، أو أن هذا المحيط الطامي ليس له ساحل.. واستيقظنا أخيراً وشاقنا جمال البحر الساحر البديع، فاندفعنا إلى اقتحامه وقد أنشأنا "زوارق" محدودة الطاقة والأدوات وألقينا بما أنشأنا في أليم الزاخر، ونشرنا الشراع بعد الشراع، ثم ألقينا بمواهبنا وبمقدراتنا في زوارقنا، وقلنا لها تقدمي بنا في خمائل هذا الروض الأنيق، لنقطف من ثماره كل يانع وكل طريف.. وسرنا.. وسرنا.. ثم نظرنا إلى الأمام، ونظرنا إلى الوراء، فهالنا - في نظرنا إلى الأمام - ونظرنا إلى الوراء.. فهالنا - في نظرنا إلى لأمام- بعد الشقة بيننا وبين أدنى القوافل السارية في عرض المحيط إلينا، وهالنا - في نظرنا إلى الوراء - أننا لم نتقدم، بعد، عن الساحل بما يقدر أو يذكر.. فهل ياترى نستحث زوارقنا لتغذ بنا السير حت نحقق الأمل الجميل؟؟ أم أننا نستسلم لعوامل الجهل والتواكل؟ إن منطق اليأس ليهيب بنا صارخا: أن لا حياة مع اليأس وأن لا يأس مع الحياة. وقد حمل العدد في ذكر رحيل الأنصاري الثلاثين ملفا موسعا ضم عددا من المقالات التي جاءت بأقلام مثقفين وأدباء وأكاديميين والذين جاء منهم: مقالا لعبدالرحمن الخضيري، وآخر لعبداللطيف الحميد، نوال إبراهيم الحلوة، عبدالله الحيدري، حمزة إبراهيم فودة، إسراء المريويطي، مناحي القثامي، عاصم حمدان، منصور إبراهيم الحازمي، خالد الشافعي، عدنان اليافي، أحمد صادق عبدالمجيد، اسماء أبو بكر، فاروق باسلامة.. أما الحوار الرئيسي للعدد فقد أجرته المجلة مع الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع، الذي استعرض من خلال الحوار تجربته في رئاسة نادي الرياض الأدبي الذي وصفها الربيع في حديثه بأنها اشتملت على مجموعة من النجاح وأخرى مما وصفه بالإخفاقات.. إلى جانب ما أكده على أن التكريم الحقيقي للمبدعين يكمن في احترامهم وتقديرهم.. مؤكدا على أن المبدع الحقيقي يبدع سواء كرم أم لم يكرم، إلى جانب ما ذكره الربيع عن تجربة العالم العربي في مجال التأليف والنشر، والتي ينعتها في حواره بأنه من الحقائق الثابتة إن إنتاجية العالم العربي في مجال التأليف والترجمة مخجلة.. إلى جانب ما أشار إليه في حواره فيما يتعلق بالكتابات والقصص العربية بأنها لا تناسب المستوى اللغوي والعقلي فيما يأتي منها خاصا بالأطفال.. مؤكدا على ما تحتاجه الكتابة للطفل من خبير بالمعجم اللغوي وخبرة بالمرحلة العكرية التي يكتب لها وخاصة في مرحلة الطفولة. ثلاثون عاما على رحيل عميد المثقفين وأستاذ الأجيال.. ليظل الأنصاري رمزا من رموز الثقافة والإبداع العلمي والأدبي، إذ هو المثقف بقيمته وقامته، فلم تغره المغريات ولا الانشغال بالمناصب، فلم يتنازل عن كونه أديباً وباحثاً، فكان سباقاً لعصره في الفكر والطموح.. ليظل الأنصاري من رواد الفصاحة والبيان، وعلم غزير وأدب وثقافة ورسالة وطن.. إذ يمثل عبدالقدوس الأنصاري مرحلة من الريادة الهامة في تأسيس النهضة الأدبية من خلال ما أسهم به فيها من فكر وثقافة وأدب في مشهدنا المحلي الثقافي، كما يعد مرجعا لا غنى عنه، يشار إليه بالبنان والفكر الناضج والعقل المستنير، فقد حمل لواء الإصلاح في اللغة.. وكان مؤرخا وعرفا للبلدان في جزيرة العرب.. هذا مما جاء في موضوع كتبه المشرف العام على المجلة الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري، الذي يضيف في مقاله - أيضا - بأن الأنصاري ملك وجه يجلله الرضا ويكسوه التواضع.. إذا تحدث تجد في صوته لحن الوقار يشمله الهدوء.. فقليلاً ما يغضب.. وكنت أرى في مجلسه يأتون إليه أهل العلم والسلطة، ولقد حرص الأنصاري على استمرارية مجلته المنهل، التي تمثل له الحياة والواقع الأدبي في أسمى أوصافه وأصدق ألوانه.. هي المحرك الذي يبعث روح الإصلاح في اللغة والأدب.. وأشير أن الملف الخاص بهذه المناسبة ما كان ليظهر لولا جهود رجال المنهل العاملين بإخلاص مثمر..