يقول الباحث الأردني محمد شاهين في كتابه «ادوارد سعيد رواية للاجيال» ان المثقفين العرب «تثاقلوا» عن نصرة سعيد.. ويصف رجل الفكر الراحل بأنه ظاهرة تدعو الى التأمل. وقال الدكتور شاهين «ان ما يثير التساؤل هو تثاقل المثقفين العرب عن نصرة ادوارد سعيد كلما تعرض لهجمة من عربي او غربي بينما يصطف المثقفون الغربيون متخذين موقفا لا يحتمل الحياد لانه لا يقبل القسمة على اثنين ونراهم يسارعون الى تفنيد مزاعم ومقولات تعرض لها رجل الفكر الفلسطيني الراحل». كتاب الدكتور شاهين الذي ضم ايضا موضوعات كان قد نشرها في عدد من المطبوعات الثقافية صدر عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في 207 صفحات من القطع المتوسط. يقول المؤلف متسائلا «ما الذي يجعل ادوارد سعيد يحرز كل هذا المجد؟ بل وجعل طائفة المفكرين والاكاديميين من كل صوب يبايعونه على انه رائد وقائد في شتى ميادين المعرفة؟... لم يحظ مفكر معاصر بمثل ما حظي به ادوارد من اجماع على موهبته الفذة واعتراف بانجازاته المتميزة على مدى ما ينوف على ثلاثة عقود من القرن المنصرم». وراى ان سعيد يشكل «ظاهرة قابلة للتأمل اكثر منها قابلة للتأويل. ويلاحظ المتأمل ان فكر ادوارد ثنائي التركيب يظل مفتوحا على العالم بعيدا عن احادية المكان والزمان... حول ذاته الفردية الى ذات جماعية التحمت بفلسطين وقضيتها وارتقت بها الى اسمى درجات التمثيل... لقد نجح ادوارد في وضع فلسطين على خارطة العالم كما يشهد الجميع». يعيد شاهين الى الذاكرة ما سماه افتراءات تعرض لها سعيد من عدد من الباحثين الاجانب اليهود والمؤيدين لاسرائيل وقال انه على رغم تلك الافتراءات «فان افتراء ذوي القربى يظل اشدد مضاضة» على الانفس من وقع الحسام المهند كما قال الشاعر. ومن الامثلة التي قدمها عما اسماه تحامل رجال فكر عرب على سعيد قصة مقالة للدكتور محمد جابر الانصاري. قال «في الخامس من (نوفمبر) تشرين الثاني عام 1977 نشر ادوارد سعيد مقالة في صحيفة الحياة بعنوان «اسس التعايش» تتضمن نوعا من دعوة الوعي العربي والفلسطيني على وجه الخصوص الى عدم اغفال قضية المحرقة التي ابادت فيها النازية ملايين اليهود والى مراجعة طرق التعامل معها. وعلى الاثر قام محمد جابر الانصاري بكتابة تعليق في صحيفة الحياة نفسها تحت عنوان «ادوارد سعيد.. مراجعة ام تراجع؟» متهما ادوارد بالتراجع عن دعمه المتواصل للقضية الفلسطينية». ثم اعطى مثلا «يندرج في قائمة الافتراءات المفتعلة لكنه يختلف في مصدره اذا انه يأتي هذه المرة من الاخر الذي لم يكف عن التربص بادوارد سعيد والنيل منه» وهو عندما قام رجل ثري «جمع ثروته بطرق غير مشروعة... بتمويل مشروع بحثي تصدى له فاينر.. والاخير باحث اسرائيلي كان قد عمل للشرطة الاسرائيلية وبعد ثلاث سنوات من البحث البوليسي المضني طلع الباحث باستنتاجات منها ان سعيد لم يدرس في مدرسة في القدس وانه ليس مقدسيا ولم يكن لاجئاً فلسطينياً في يوم من الايام وان فلسطينيته لا تعدو كونها تلفيقاً وحسب» وغير ذلك. وقال شاهين ان ما يعنيه ذكره من هذه الحادثة المعروفة «هو ان الفرق كان شاسعا ما بين ردة فعل القارئ العربي عندما ظهرت مقالة الانصاري المذكورة وبين ردة فعل القارئ الغربي عندما نشر فاينر ابحاثه. ومع انه لا يوجد وجه للمقارنة الا ان أي تأمل للمسألة يكشف لنا عن تخلفنا وتقصيرنا في تقدير ادوارد بوصفه رمزا ثقافيا فريدا قلما يجود الزمان بمثله. «فعندما اتهم ادوارد بالتراجع لم يعبأ المثقفون العرب ولم تتكلف سوى فئة قليلة عناء التصدي لمحاولة النيل منه». وعرض شاهين آراء عدد ممن دافعوا عن سعيد من جميع انحاء العالم واستشهد بتعليق للبروفسور جورج شتاينر استاذ الادب الانجليزي والادب المقارن في جامعتي كيمبردج وجنيف «الذي قال عبارته المشهورة في الرد على فاينر (وربما لا يعرف الكثير من الناس انه من بني جلدة فاينر). قال شتاينر ان ادعاء فاينر لا فائدة ترتجى منه اصلا لأن ادوارد سعيد نص مفتوح على العالم يتحدى المكان الاقليمي والزمان الآني. لقد جعل نص ادوارد سعيد منه في نظر العالم ابن العالم مثلما جعل ادوارد من فلسطين نصا عالميا». اضاف شاهين «هذا ما ارادنا ادوارد ان نقوم بروايته للعالم عنه».