باليد اليمنى أمسكوا بمقود شاحناتهم، وبالأخرى راحوا يعدون وجبة إفطارهم على عجل، وبين هذا وذاك حلت رائحة عوادم الديزل التي تنفثها تلك الشاحنات مكان حميمية ودفء أسرهم.. في أيام هي الأحلى والأجمل أن يكون الأب بين أحضان أسرته، خاصة في ساعة الإفطار والسحور!. "الرياض" دخلت عالم سائقي الشاحنات في رمضان بين ضجيج الشاحنات ورائحة الديزل التي يعج بها الطريق الدولي الذي يربط المملكة بدول الخليج، والتقت خلاله بعدد من سائقي الشاحنات السعوديين والعرب، وعرفت كيف يعيشون ويتعايشون مع ظروفهم اليومية خلال شهر رمضان، مؤكدين على أن حرارة الطقس في هذا العام والأعوام السابقة عامل يصيبهم بالإعياء والإرهاق. لم أعد أشعر بطعم رمضان، فالشاحنات باتت هي رفيقي بدلاً من عائلتي، هكذا لخص "إبراهيم المسيعد" (58 سنة) وضعه ومشاعره التي يكابدها منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وهي الفترة التي قضاها سائقاً للشاحنات، واصفاً مهنة قيادة الشاحنات بالصعبة، مشيراً إلى أن أصعب أوقات القيادة هي شهر رمضان، حيث يكون السائق مضطراً للبعد عن أسرته، متذكراً كيف أمضى أكثر من 29 رمضاناً وحيداً بعيداً عن أولاده. "علي السلمان" (38 سنة) و"سعد المسيعد" (48 سنة) وصفا قضاء رمضان بين الشاحنات بأنه (مُرّ)، وعزيا ذلك كله إلى أن ظروف الحياة وصعوبتها أجبرتهما على عدم التوقف عن قيادة الشاحنات حتى في رمضان، لكنهما استدركا أن إدخال السرور على أطفالنا عبر توفير الحياة الكريمة لهم أمر يدخل السرور في نفسيهما حتى وإن كانا بعيدين عنهم. إفطار على مائدة سيارات الشحن وعند غروب شمس كل يوم من شهر رمضان تركن الشاحنات في محطات الطرق السريعة أو الدولية، ومعها يبدأ السائقون عملاً آخر يتمثل في إعداد إفطارهم، ففي الوقت الذي يفطر البعض لوحده، يتفق البعض الآخر على التعاون لإعداد وجبة مشتركة، وحينها يتقاسمون العمل فيما بينهم، فيؤدون عملهم في حركة دؤوبة، كما يحرصون على إعداد أطباق منوعة مثل الكبدة وبعض المشويات وأطباق البيض وغيرها. الشاب "حسين محمد بارود" (سوري) اقتربنا منه، وحينها كان منهمكاً في التجهيز لوجبة الإفطار، ويحكي أنه العام الرابع على التوالي الذي يمضي رمضان في الطرق السريعة، وما أن ينهي السائقون إفطارهم إلا ويبدأون رحلة جديدة مع القيادة للوصول إلى المكان المخصص لهم والذي قد يستغرق منهم نحو أسبوع. السائقان "محمود جمعة" و"أحمد جمعة" (سوريان) وصفا أصعب إفطار لهم عندما يتزامن ساعة الإفطار مع عبور الجمرك، وبررا الصعوبة في كون السائق مشغولاً بأكثر من عمل.. ختم الجواز وتسجيل السيارة وتحريكها في الطابور، ومع ذلك كله يتم تجهيز الإفطار، مبيناً أنه يترتب على ذلك تأخير الإفطار لفترة طويلة حتى يتم تجهيزه. عشرات آلاف من الكيلو مترات يقطعها السائقون كل عام ذهاباً وعودة، وربما انشغالهم بالعمل ينسيهم أحياناً البعد عن أطفالهم، إلاّ أنه وبحلول شهر رمضان فلا تشغلهم لقمة العيش عن الحنين لفلذات أكبادهم وأسرهم. "محمود جمعة" (45 عاماً) ما أن ذكرناه بأسرته حتى أصبح يدحرج الكلمات بصعوبة، مشيراً إلى أن الغربة وبعده عن أطفاله الستة هما أكثر شيء يشعرانه بالحزن في رمضان، لافتاً إلى أن بعده عنهم يشعرهم بالألم لفقده، كما أمضى 15 رمضاناً بعيداً عن أطفاله، وبالقدر ذاته من الحزن يشعر "أحمد جمعة" (37 سنة) بالحنين لأطفاله الستة، متمنياً أن يقضي رمضان القادم برفقتهم. أطباق متنوعة رغم عناء السفر لا وقت للراحة الكل يعمل قبل وقت الإفطار