إذا فكّرنا بثلاثية ، الأمن وحقوق الإنسان والتنمية ، فقد نراها متلازمة لايمكن أن يتحقق أحدها بمعزل عن الآخر .. وهذا ما يجعل المراقبين الحقوقيين يحذرون من المساس بأحدها لحساب الآخر . وهي السبيل للعدالة الاجتماعية.. ولكنْ هناك توجس من طرفيْ المعادلة ، وهم دعاة حقوق الإنسان ، وممثلو الأمن عموما ، والساسة على وجه الخصوص. كان لكلمة رئيس وزراء بريطانيا عندما عمت الفوضى شوارع لندن (الأولوية الآن للأمن لا لحقوق الإنسان) صدى في عقول أغلب المراقبين لحقوق الإنسان ، وربما في عقول البريطانيين أكثر من غيرهم .. وقد تبادر سؤال كبير وعميق .. وهو: هل حقوق الإنسان ضد الأمن ، أم تتواءم معه ، أم لا يتحقق الأمن إلا بممارسة الحقوق كاملة وفي كافة النواحي والتي ممكن معرفتها تبعا لميثاق حقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948م من الأممالمتحدة وملحقاته ، وكذا ما صدر من لوائح تخص الطفل والمرأة وذوي الظروف الخاصة ، وهي سفر كبير وحافل ؟! الهاجس الأمني هل يعيق حركة حقوق الإنسان ، وهل الرعب من الحقوق يأتي عليها ؟ الحقوق تعني فيما تعني تطبيقاً للآية الكريمة(ولا تزر وازرة وزر أخرى) بمعنى لا يؤاخذ إلا المذنب ، بغض النظر عن الأسرة او البيئة أو القبيلة .. وسواء صغر الفعل أم كبر ، بما في ذلك إحداث الشغب.. في مقابلة مستفيضة لرئيس جمعية حقوق الإنسان ، قال ما معناه إن هناك من لايريد معرفة الناس حقوقهم حتى لا يطالبوا بها.، وبمعنى لايسببوا قلقاً للحكومات.. لماذا يشكل الهاجس الأمني شيئاً من الرعب لبعض دعاة حقوق الإنسان ، ويشكل جهازه أحيانا رهاباً لبعضهم؟ ما قد يضيع فرصاً كبيرة على تقدم العمل بهذه الحقوق ، ومن ثم يتأثر الأمن شئنا أم أبينا .. كما أسلف رئيس جمعية حقوق الإنسان .. بحيث يكاد في أحايين كثيرة أن يصل الأمر مع السلطة التنفيذية ومع دعاة حقوق الإنسان إلى تنابز وتنافر .. بينما حسبما ورد في الميثاق آنف الذكر أن الحقوق محمية من قبل الحكومات.. المعرفة هي حق ، لانستطيع أن نتعامل مع شيء دون أن نعرفه ، بل جعل الله المعرفة أول شيء في توحيده عز وجل،(العلم والعمل والإيمان).. والعلم يعني معرفة .. فإذا عرف رجل السلطة التنفيذية في أجهزة الأمن حقوق المواطن حق المعرفة ، عمل على ألا يتعداها ،لأنه يعرف أن تعديها يعني أن هناك خللًا قد يؤدي للعقاب ، فهو هنا رجل الأمن، وغيره من المواطنين، عاديين أو في محل سلطة ، سيعملون وفق هذه المنظومة، ومن ثم مع التراكم المعرفي والتجارب سيحصلون على الإيمان بها ، كأمر إنساني وأخلاقي بالدرجة الأولى ، وانطلاقا من ذلك ، سنرى أن الأمن وحقوق الإنسان ليسا متضادين لكنهما مكملان لبعضهما .. وهي انطلاقتنا من مقابلة رئيس جمعية حقوق الإنسان . وإذا وقفنا عند كلمة كاميرون (الأمن قبل حقوق الإنسان) وتذكرنا قول أساتذة العلوم السياسية ، وهي أن التغير في الدول الديمقراطية يؤخد بصورة مستمرة ، لذا لا يكون هناك داع للانقلابات والثوارات ، هذا ما يجعل كلمة رئيس وزراء بريطانيا تبدو ثقيلة لأنها صادرة عن دولة ديمقراطية المفروض أنها تحافظ على الحقوق حتى في أحلك الأوقات .. وهو المحك الحقيقي للصدق الإنساني .. لعل التوجس لدى رجال السياسة والأمن من مسألة حقوق الإنسان لن يكون له ما يبرره ، وذلك أنه إذا توفرت الحقوق والعدالة ، يتوفر الأمن تلقائيا ، وعندما يتوفر كل ذلك يكون باب التنمية ككل من اجتماعية وتعلمية واقتصادية مفتوحاً على أوسع أبوابه .. وتتحقق التنمية المستدامة . وهي الحصن المؤكد للأوطان..