جاء تزايد إشكاليات الديون الحكومية الأميركية والأوروبية لوجود مشاكل عديدة تتعلق بوجود عيوب هيكلية، بالإضافة إلى عمليات تأميم ديون بعض البنوك خلال حزم الإنقاذ التي أعقبت الأزمة المالية. وقال بنك قطر الوطني في تقرير متخصص له بهذا الخصوص إن منطقة الخليج قادرة على تجاوز اضطرابات الاقتصاد العالمي وأنه ربما ستؤدي الأوضاع الاقتصادية المضطربة في الولاياتالمتحدة وأوروبا حاليا إلى تداعيات قصيرة الأجل على دول مجلس التعاون الخليجي، لكن تحليل صادر عن QNB Capital يتوقع أن تكون التأثيرات طويلة الأجل محدودة، نظرا لقوة أساسيات الاقتصاد في المنطقة. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة أشد التطورات خطورة على الاقتصاد والأسواق العالمية منذ ثلاث سنوات عند انطلاق الأزمة المالية، وكان قيام وكالة ستاندردز أند بورز للتصنيف الائتماني بتخفيض التصنيف الائتماني لديون الحكومة الأميركية لأول مرة في تاريخها في الخامس من أغسطس هو أهم هذه التطورات. كما تصاعدت حدة مخاوف المستثمرين حول ديون منطقة اليورو، حيث شهد اليوم الذي سبق تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة ارتفاع الفارق في معدلات الفائدة بين سندات الحكومة الايطالية وسندات الحكومة الألمانية إلى أعلى مستوى منذ إطلاق اليورو في عام 1999، وواجهت سندات الحكومة الاسبانية ضغوطا مشابهة، مما دفع المصرف المركزي الأوروبي إلى البدء في شراء السندات الايطالية والاسبانية في محاولة لتهدئة مخاوف الأسواق. كما أن المخاوف تتزايد من احتمال عودة الاقتصاد الأميركي إلى حالة الركود أو على أقل تقدير يحقق معدلات نمو أقل من المتوقع، خاصة أن بيانات الاقتصاد الأميركي الشهرية حول البطالة والإنتاج وثقة المستهلكين كانت متداخلة. وكان رد فعل أسواق الأسهم والعملات والسلع قوياً لهذه التطورات، حيث تراجعت بشدة معظم أسواق الأسهم والسلع وارتفعت وتيرة التذبذبات فيها. في حين شهدت الاستثمارات التي تعتبر الملاذ الآمن مثل الذهب والفرانك السويسري ارتفاعات إلى مستويات تاريخية جديدة مقابل الدولار الأميركي. وارتفعت أيضا سندات الخزانة الأميركية، حيث ما زالت تعتبر ملاذا آمنا رغم دور الديون الأميركية في الاضطراب الحالي في الأسواق العالمية، وكان تحليل سابق صادر عن QNB Capital قد توقع أن تحتفظ سندات الخزانة الأميركية بمكانتها كمؤشر للأسواق حتى في حال تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، حيث يرجع هذا جزئيا إلى عدم وجود سندات أخرى يمكن أن تمثل بديلا مقبولا من حيث الحجم وتنوع آجال الاستحقاق والسيولة. ومن المتوقع أن تستمر التذبذبات في الأسواق لعدة أسابيع، حيث يُعيد المستثمرون تقييم المخاطر، وبالتالي ستتأثر نفسية المستثمرين في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي بالتحركات في الأسواق العالمية. وقد تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها خلال 2011، لكن ما زالت الأسعار قوية مقارنة بالمستويات التاريخية ولا يتوقع تحليل QNB Capital استمرار التراجع في أسعار النفط. كما أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي تُقدر ميزانياتها على أساس أسعار نفط متحفظة وكانت دول المنطقة في طريقها لتحقيق فوائض مالية كبيرة قبل الاضطراب الحالي في الأسواق. ونظرا للفوائض في ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي ومعدلات الدين العام المنخفضة فإنه، وحتى في حال انخفضت أسعار النفط، لن يؤدي ذلك إلى تعثر خطط الإنفاق في المنطقة والتي تعتبر المحرك الأساسي للقطاعات غير النفطية. وفي جانب متصل يمكن أن يؤدي تراجع قيمة الدولار الذي ترتبط به معظم عملات دول مجلس التعاون الخليجي إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم في المنطقة. لكن معدلات التضخم حاليا متدنية في اغلب دول المنطقة ومن غير المتوقع وجود تأثيرات كبيرة لتراجع قيمة الدولار.