إن الله تعالى بحكمته وعلمه جعل الموت حتماً مقضيا جاريا على الباقين من خلقه كما جرى على الماضين من قبل، وحقيق على من أعطي حظاً من توفيق الله أن يكون على استعداد لحلول ما لا بد منه ولا محيص عنه، فسبحان من كتب على خلقه الفناء وتفرد وحده بالبقاء وجعل لكل أجل كتابا ولكل نفس حسابا، فالموت قضاء نافذ وحكم شامل وحتم لازم لا مهرب منه ولا مفر. وفي يوم الأحد الموافق 30/8/1432ه نزل أمر الله بقبض روح الأميرة سلطانة بنت تركي بن أحمد السديري وانتقلت من هذه الدار إلى دار خير منها وسلمت أمرها لخالقها فماتت على الإسلام وعلى عقيدة التوحيد وهذا من أكبر نعم الله عليها لأنها وصية الله لعباده في قوله تعالى (وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) أي الزموا الإسلام وداوموا عليه ولا تفارقوه حتى تموتوا. لقد عانت – رحمها الله – في حياتها ابتلاءً وآلاماً كثيرة فكانت نعم المرأة الصابرة المحتسبة حيث نزل بها المرض وتحملت وصبرت صبر المؤمن الصادق لأنها تعلم أن هذا أمر الله وقدره الذي لا يرد، وبقي معها لسنوات وكانت مع صبرها تشكو أمرها إلى الله دائما وتحتسب أجرها عند الله، وتطلب منه سبحانه الفرج والمخرج، وإلى جانب ما كانت تعانيه من آلام، إذ نزل بها أمر الله في وفاة ابنها الأمير/فهد – رحمه الله – فصدمت بفاجعة كبرى زادت من ألمها ومصيبتها في فقد أكبر أبنائها فعاشت في بلاء وحزن، وما أن مضت مدة من الزمن إذ بها تفجع ثانية بوفاة ابنها الأمير/أحمد – رحمه الله – فاستقبلت أمر الله بالصبر والرضا مع تذكرها الدائم لهما، وحزنت على ذلك حزناً شديدا وأصبح فؤادها فارغاً من ذكر شيء في الدنيا إلا من ذكرهما واستمر معها الحزن عليهما وكان ملازماً لها، وهذا من مقتضى الحال البشرية – وخاصة الأم - لكن الله ربط على قلبها بالصبر والثبات وما زادها ذلك إلا إيماناً وتسليما، وقد طلبت مني ذات مرة أن أكتب لها عن فضل الصبر وثوابه فكتبت لها ما تيسر من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك فزادها ذلك ثباتاً وقوة إيمان. ومع كل هذه الأحزان المتوالية كانت - رحمها الله – تعاني آلاماً متتابعة ومكثت مدة طويلة حتى اشتد عليها البلاء وعظم عليها الأمر مع صبرها ورضاها وثباتها وتسليمها حتى أتاها اليقين، وفاضت روحها إلى بارئها راضية مطمئنة، وما أصابها في ذلك سيجعله الله كفارة لها عند ربها وتطهيراً لها من الذنوب لأن المصائب التي تحل بالإنسان من أمراض وفقد قريب أو حبيب ونحو ذلك تكون كفارة من الذنوب إذا اقترنت بالصبر والرضا كما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة))، وأخرج الإمام أحمد في المسند وابن حبان والبيهقي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة ولا مسلم ولا مسلمة إلا حط الله بها عنه خطيئة)). وقد كانت الأميرة سلطانة، نعم المرأة المسلمة الصالحة المطيعة لله المحافظة على أوامره، المسارعة إلى فعل الخيرات لا ترضى بالضيم على أحد ولا إلحاق الضرر بأحد وبخاصة من يعمل عندها، حتى أصبحت عند القريب والبعيد معروفة بذلك كانت تحب قراءة القرآن كثيراً وتحب سماعه كثيرا تطمئن به قلبها. وتميزت الفقيدة – رحمها الله – إلى جانب طاعتها لربها واستجابتها لأمره بحب المساكين والعطف عليهم وتلمس أحوالهم وقضاء حوائجهم، كما تميزت – رحمها الله – بالرحمة والشفقة في تعاملها وحديثها، وقد حزن عليها كل من علم بموتها وفقدها، وستبقى هذه المرأة الصالحة والأميرة المتواضعة على لسان كل من أحبها وعرفها، وقد مهدت لنفسها عمراً سيخلده التاريخ وتذكره الأجيال بعملها وتعاملها وطاعتها لربها جبر الله مصاب والدنا الغالي صاحب السمو الملكي الأمير/سلمان بن عبدالعزيز وأبناء الفقيدة أصحاب السمو الملكي الأمراء في هذا الأمر الجلل وثبتهم على فراقها بالصبر والرضا، غفر الله لها ورحمها وأسكنها فراديس الجنان اللهم وسع مدخلها وأرضها وارض عنها وعافها واعف عنها وأكرم نزلها واجعلها في روضة من رياض الجنة يا كريم يا رحيم. *إمام وخطيب جامع الأمير سلمان بن عبدالعزيز بالمعذر