وهو رأي لا يَسُر.. فالشاعر الكبير يستثقل أكثر البشر.. ولو أتيحت له الفرصة - كما يقول - لروَّى رمحه منهم بدون رحمة: «ومن عرف الأيامَ معرفتي بها وبالناس روَّى رمحه غيرَ راجِمِ فليس بمرحومٍ إذا ظفروا به ولا في الردى الجاري عليهم بآثم» وهي فتوى خطيرة من غير مؤهل للفتوى ولا عالم بل مجرد شاعر في قمة الحنق والتشاؤم من الناس.. ولا أدري ماذا فعل له إخوانه البشر وقد مجدوه وهو حي ورددوا شعره في كل أرجاء عصره؟! ويصم المتنبي الناس بالخداع ويصفهم بالنفاق ويعمم بشكل غريب غير مقبول ويزعم أنه لم يجربهم فقط - حيث أصدر حكمه الخطير - بل ذاقهم وأكلهم فلم يهضمهم: «إذا ما الناس جربهم لبيبٌ فإني قد أكلتهم وذاقا فلم أر ودهم إلا خداعاً ولم أر دينهم إلا نفاقاً» ألست من الناس أيها الشاعر أم أنك طينة أخرى؟ ألم تعمم الخداع والنفاق؟ وهل يقبل هذا عاقل؟ الواقع - كما هو في القرآن الكريم - أن أكثر الناس لايعقلون.. ولا يشكرون.. آيات كثيرة تؤكد هذا المعنى ولكني بدون تعميم (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) البقرة 243 (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الأعراف 187 (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) هود 17 (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون) الفرقان 44. نؤمن بما ورد في كتاب الله عز وجل من أن أكثر الناس - وليس كلهم - بتلك الصفات الكريهة لكننا لا نوافق المتنبي على التعميم.. ويقول المتنبي: «كلام أكثر من تلقي ومنظره مما يشق على الآذان والحدق» وهو هنا أكثر هدوءاً وواقعية.. لم يعمم على الأقل.. مع العلم أن كراهية الناس هي السم الزعاف الذي يفسد على الإنسان حياته ويوتر أعصابه ويجعل سعادته تذهب مع الريح.