من بين ثنايا التحديات اليومية التي تواجه العراق أخذت خطوط باهتة لما يمكن أن يؤول إليه الحال في العراق بعد تبني عدد من الإجراءات الهامة ومدى استجابة العراقيين لها في الظهور للعيان. ويمكن لنموذجين أسسا على المشاكل التي واجهت أمريكا اللاتينية مع التمرد أن يكونا مرجعا تاريخيا للمسار الذي سوف يتبعه العراق. ورغم أن المقارنات التاريخية نادرا ما تكون كاملة غير ان هنالك مسارين يلوحان في الأفق.أحد هذين المسارين يتبع أمريكا الوسطى حيث انتهت الصراعات الأهلية في الثمانينات بتسويات قادت إلى تقاسم السلطة والقبول بالمنافسة السياسية. ولكن المسار الآخر ربما يقود نحو شيء يمكن تسميته ب » كولومبيا جديدة» حيث لم يسجل التمرد الراسخ انتصاراً قط ولكنه في ذات الوقت لم يخسر. العنصر الرئيس الذي يمكن أن يحدد طبيعة المسار الذي سوف يسلكه العراق ربما يعتمد وإلى حد كبير على كيفية تعامل الحكومة العراقية مع الأقلية السنية.ويقول المحللون بان الحكومة ستكون قد فعلت خيراً إذا ما ركزت على تلك الشريحة من الأقلية السنية التي لم تنشأ لديها نزعة بعد إلى تحطيم العراق الجديد ولكنها أيضاً لم ترى بعد كيف يمكن لهذه الحكومة أن تخدم مصالحها. ويقول مايكل اوهانلون الخبير في الشؤون العسكرية الأمريكية بمعهد بروكينغس في واشنطن» العناصر الثلاثة التي تغذي التمرد العراقي هي البعثيون المتشددون والمتطرفون الأجانب و السنة الواقفون على الحياد والأخيرة تعتبر الشريحة الأكبر بين الشرائح الثلاث ومن المرجح بان تكون هي التي توفر العدد الأكبر من المجندين المنخرطين في سلك التمرد. في أمريكا الوسطى كان معظم الواقفين على الحياد من الذين يمكن استمالتهم وكانت النتيجة حلولا سياسية أساسية». ويضيف اوهانلون بانه في بعض الأوجه ربما كانت النزاعات في أمريكا الوسطى تبدو اكثر صعوبة من حيث الحل السياسي لها لأن مستويات العنف والتشريد كانت أكبر مما هو حادث الآن في العراق. ولكن في ذات الوقت لم يكن في أمريكا الوسطى عنصر يساوي المتطرفين الإسلاميين الأجانب أو ما يسمي ب«الجهاديين» الذين يرون بان الجهاد هو «الحرب المقدسة». وبالطبع، ربما لا يكون أي من المثالين الأمريكيين اللاتنيين مناسبا للعراق. وهنا يطل خيار ثالث يتمثل في إمكانية انزلاق العراق نحو حرب أهلية تنتهي بتقسيمه ولكن هذا شيء لا يريده غالبية العراقيين في خارج السلطة. وفي الجانب الآخر كولومبيا-حيث استعر النزاع الأهلي لما يقارب الخمسة عقود- ما تزال تقاتل متمردين استبدلوا الشعارات الماركسية بتجارة المخدرات وغيرها من أشكال الجريمة كسبأ لبقائهم . وجعل ذلك مسألة التفاوض حول تسوية سياسية أكثر صعوبة كما اكتشفت الحكومة الكولومبية في التسعينات. ويقول اماتزيا بارام الخبير بشؤون العراق بان الأخير شيء وسط بين الحالتين الكولومبية والأمريكية الوسطى لان عنصر عائدات النفط في العراق يلعب دوراً مثيراً للفتنة مماثلا لأموال المخدرات في كولومبيا. ويضيف بارام «اعتاد السنة العراقيين على السيطرة على مصدر الدخل الخرافي هذا والآن وجدوا أنفسهم قد فقدوه فجأة. لا بد من معالجة هذا الوضع بطمأنة السنة بأنهم لن يفقدوا نصيبهم من عائدات النفط». ويقول خبراء آخرون بان العراق شبيه بكولومبيا من حيث الدور الرئيسي الذي تلعبه العصابات الإجرامية في العراق والأرباح التي تجنيها من نشاطات مثل الخطف والتهريب المرتبطة في أحوال كثيرة بالتمرد. أحد الأسباب التي تجعل من التصدي لمخاوف السنة «المحايدين» أمرا هاماً هو ذلك الدور الرئيسي الذي تلعبه هذه الفئة في دعم المتطرفين الإسلاميين. ويشير الخبراء - على سبيل المثال- إلى ان العراق شهد 135 تفجيراً في أبريل الماضي ويضيفوا بان الإمدادات اللوجيستية اللازمة للقيام بهذه التفجيرات لا يمكن أن يكون الأجانب قد وفروها لوحدهم. ويقول باتريك لانغ خبير الشرق الأوسط السابق بوكالة استخبارات الدفاع «نعرف بان الجهاديين يتلقون دعماً لوجستياً من السنة العرب بسبب الدين». ويقول لانغ بان التفجيرات التي ما زالت تضرب أهدافا مدنية يمكن أن تؤدي إلى إنهاء العلاقة بين الطرفين ولكن على الحكومة أن تعمل على الوصول إلى العناصر الوطنية وسط السكان السنة من اجل كسبهم إلى صفها. ويشير الخبراء إلى ان القوى الخارجية مارست ضغطاً على أمريكا الوسطى وجعلتها تقبل بالتسوية وإنهاء النزاعات. ولكن الدور الأمريكي في العراق يعتبر حساساً-خاصة بالنسبة للسنة- حيث أن الغزو الأمريكي كان السبب في إنهاء حكمهم الطويل. ٭ (كريستيان ساينس مونتور)