عندما نسترجع أيام الطفولة وحكايات الجدات، يرتسم في خيالنا مدى التأثير الذي تحدثه تلك القصص على النفس، من راحة ومتعة متناهية، قد يقلل البعض من أهميتها، ولكن عندما تتوقف وتتمعن لتدرك الأثر والمعنى المراد والقيمة الحقيقية لها تجد أنها تركت في حياتك الذهنية والفكرية أثراً دون أن تدري، الآن نتحدث عن دور أفلام الكرتون وإعلانات الأطفال وقوة تأثيرهما على سلوك أطفالنا، نعم هي حقيقة مؤكدة للامكانات الهائلة والمتطورة التي تظهر بها الصورة أمام عيني المشاهد المبهرة، لكن الأمر مختلف تماماً عند وضع المقارنة، في السابق قل أن تجد منزلاً يحوي تلفازاً وكان وجوده مقتصراً على فئة معينة وكذلك سكان المدن أيضاً قد لا تجد العدد الكبير منها في المنازل فما بالك بالقرى، لذا كان الطفل عندما يستمع لجدته وهي تحكي و(تسبحن) تجد خيالك منطلقاً إلى الفضاء الرحب يرسم الشخصيات والمواقف والأماكن، وكان داخل خيالك شاشة ثلاثية الأبعاد، كانت تلك القصص متعة لسامعها وفرصة لتحاول أن تتخيل الأحداث وتطلق العنان لتفكيرك، وتنتقل مع كل صورة ترسمها الجدة بلغة بسيطة وحبكة لا يجيدها سواهن، وكانت بعض القصص عبارة عن حلقات تمتد لأكثر من ليلة، إذاً مسلسل له بداية جميلة ونهاية مثيرة، كانت تلك الحكاوي لها أهدافها النبيلة من صور الوفاء والنبل والكرم والشجاعة وغيرها، ولم تكن تتناول أموراً كما هي حالنا الآن (بحبِّك وتحبيني) من أول الحلقة حتى نهاية الحلقة ال(30) وأحداث عن الحب المتصنع الذي لا طعم له ولا حلاوة سوى مضيعة الوقت، أما قصص الجدات فكانت عبارة عن رسائل هادفة لنا جميعاً من أهمها اجتماع الصغار بأدب واحترام، والإنصات والاستماع دون مقاطعة لكبير، ومن يقاطع سيكون عقابه الحرمان من معرفة باقي التفاصيل، وكانت الحكاية تتلازم وحركة اليدين بحنائهما الجميل، والالتفات للجميع أثناء التحدث للتحفيز، وهذا جزء من أساليب الاقناع العفوية والتصوير ولفت الانتباه، كل تلك المعطيات تجعل خيالك يسبح ويحلق ويتخيل وهذه مدعاة لتعلم صور الابداع الحقيقي، وأعتقد ان تأثير الجدات كان نتاجه الكثير من المبدعين دون أن ندرك أو نشعر بتلك الحقيقة، فكانت (سينما الخيال) لدى الجدات موجودة منذ القدم، ولها وقت للبث بعد العشاء وقبل فترة النوم بقليل، فكانت محددة ومضبوطة، أما اليوم فمن الصعب أن يجد الأطفال مع تلك التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة مساحة كافية ليسبح تفكيرهم براحة أكثر وهدوء يمنحه تلك الفرصة، لكل يوم يظهر اختراع تكنولوجي جديد، وأصبح ذهن الطفل مزحوماً بما يحدث في العالم من اختراعات واكتشافات لا حدود لها، فهو متلقٍ في هذه الحال، وهذا الفارق بينه وبين حكايات الجدات اللاتي يعطينك مساحة التفكير والخيال الابداعي، وهذا هو نتاج وضريبة التقنية الحديثة، مع أنها ذات فوائد لا حدود لها إذا استخدمت الاستخدام الصحيح وعلى أسس علمية وصحية وسهلت فرصة التواصل العالمي البناء ومكنت الصغار والكبار من معرفة كل جديد في أي مكان في العالم دون جهد أو تعب، الصغار أو الأطفال ما يتعلمونه في بداية حياتهم هو الانطلاقة الحقيقية لهم في الكبر، ولديهم قدرة على التعلم وتخزين المعلومات وتذكّرها بشكل مميز.. (يتبع)