«مليت» كلمة اطلقها احد زملائي في العمل وسط تأفف وتشويت ودك بالأقدام لكل ما يعترض طريقها تعبيراً عن ملل من ساعات الدوام الطوال وطلباً للإجازة التي اضحت مطلباً ملحاً في عصر السرعة الحاضر. بدأت كالعادة في تحليل تلك الكلمة لأحضر تعليقاً او تعليقات لتبادل حديث مفتعل قد يخفف علينا ثقل البقية الباقية من سويعات الدوام بصفتي اكثر الموظفين هذراً ففي طبعنا معشر الموظفين اما متلق للكلام او ملق له اما انا فمن اصحاب القسم الآخر كما اشرت الذي لا يطيق السكوت وأما القسم الأول فإنصاته يدل على انه اما مستفيد لما يطرح معلق تعليقاً جاداً ومثرياً بعدما تنضج الفكرة بعقله وإما مستحق لعبارة «آن لأبي حنيفة ان يمد قدميه».. تخيل عزيزي القارئ قسماً يحوي الطرف الأول ومدى الهدوء لدرجة الملل او آخر يحوي القسم الآخر ومدى الضجيج الحاصل وحاول اختيار المناسب. اعود للكلمة سابقة الذكر بعد استطراد لم يدم طويلاً لأؤكد ان غالبية الموظفين ان لم يكن جلهم قد رددوا تلك الكلمة جهراً وبشجاعة متناهية او سراً بعد تلطيخ بأدوات المكتب او تعفير بوجه مراجع ليعبر عن تلك الكلمة بأسلوبه الخاص. الكلمة تلك ليست هي القضية بل هي نتاج لما تفرضه طبيعة العمل الروتينية في اغلب القطاعات حتى طلاب المدارس تصدر منهم تلك الكلمة ولكن بأسلوب آخر فتجد الطالب بتلقائية وفي اول ايام الدراسة يسأل معلمه: متى تأتي الإجازة الكبيرة يا استاذ؟ فهو لا يرضى بيوم او يومين. دار الحوار بيننا وسادت علامات الجد على محيا الزملاء فأدلى كل من القسمين بدلوه فمن مؤيد لتقليص ساعات الدوام الى حد لا يمكنك من خلاله تشغيل سيارتك لمراجعة دائرة الا وقد انتهى وقت الدوام الى مطالب وبشدة تقليص ايام العمل الأسبوعية الى النصف فأقل حتى ان احدهم اقترح بكل جد تحويل الدوام من الصباح الباكر الى بعد الظهر لتتسنى له ساعات نوم اضافية ويبدو انه من عشاق افلام السهرة وما شابهها والمصيبة انه من الصنف المتلقي لذا مددنا اقدامنا سوياً تحقيقاً لتلك العبارة، وأخيراً نطق احد المتلقين بعد نضج الفكرة في عقله ليؤكد ان الموضوع شائك تشترك فيه اطراف عدة وله مسببات عديدة يأتي من ابرزها خلو ساعات العمل من التنويع اضافة للروتين القاتل للطموح ايضاً طريقة توزيع المكاتب في اماكن العمل حيث ترى قسماً بعيداً (صاداً) عن البشر لا تسمع حساً تخال من حولك قد قبضت ارواحهم او ترى آخر قد توسط المارة كأنه حراج سيارات بعد عصر يوم جمعة.. لكن النقطة الأبرز التي طرحها عاقلنا هي اسلوب التعامل بين الرؤساء والمرؤوسين وأقصد بذلك المدير المباشر.. فمدير يجعلك محباً للعمل متشوقاً له يزيل كل الحواجز الوهمية التي وضعتها بروتوكولات الهيبة المزعومة والبشت المعلق في المكتب للدلالة على ان من تقابله مسؤول (ما عنده لعب) ولا يحق لنا اضاعة وقته الثمين الذي يذهب غالباً في معاقبة زيد والخصم على عبيد نتيجة تأخر او غيره مبرزاً كلمة «لا» تعبيراً عن قوة شخصيته.. تجده شخصاً مرحاً متقبلاً للآخر مرضياً كلا الطرفين (الإدارة والموظفين).. ومدير آخر ذكرت بعض صفاته ولا داعي للتطرق للبقية.. ويواصل زميلنا حديثه لكنه وكأي واحد من الناس نفى اي قصور قد يحدث منه وهذا مما جعله يكبر في عيوننا فنحن هو، وهو نحن وجميعنا لا نحبذ نقد الذات بل متأهبون لرمي سهام النقد صوب الغير ثم يطرح اثناء الحوار تجربة الغرب في الإدارة وضرورة تفعيلها في قطاعاتنا وأهمية تكاتف الجميع في دحر كلمة «مليت» وإيداعها الإرشيف ونحن نهز رؤوسنا مبدين اعجابنا بآرائه ولو اننا لم نفهم منها سوى القليل وعند احتدام الحوار وتوغل الحديث في طرق الإدارة الحديثة صرخ صاحبنا الأول «مليت» بعد ان طال الحوار منقذاً ايانا من حديث لن نفهمه او لا نود فهمه ليفرق جمعنا دون الوصول الى النتيجة المرجوة ويتبعها بترديد (ليت كل الأيام يوم خميس).