كانوا يسمونها هكذا (الجفرة) وهي سوق قديم في الرياض (كان) يقع شمال (المقيبرة) والتي هي السوق الرئيسي في الرياض آنذاك، أعني (المقيبرة) الديرة الآن جنوب جامع الإمام تركي.. (الجفرة) سوق تمويل سبق أن كتبت عنه قبل ربع قرن بعنوان (الجفرة أو البنك الحادي عشر) ونشرت المقال في جريدة «الرياض» ثم في كتابي (ذكريات ضاحكة).. والجفرة اسم على مُسمى فحين تدلف إليها من شارع الشميسي القديم تأخذ الأرض في الانحدار عبر طريق ترابي ضيِّق تصطف على جانبيه أعداد كثيرة من الدكاكين الصغيرة المتقابلة والمملوءة بأكياس الرز والسكر والقهوة والهيل و(الدوبلين) الذي تشكل (طاقاته) الهائلة وسيلة للتورق لمن يريد أن يستدين العشر اثني عشر حتى عشرين حسب ملاءة العميل وشدة حاجته وظروف التمويل، الرجال الذين يبيعون في (الجفرة) جادون جداً ومحنكون يندر أن يضحك عليهم أحد فهم يربِّطون المدين بالرهن والكفيل الملىء الغارم وإقرار طويل مخيف وعساهم يسلمون.. في منتصف الجفرة تقع ساحة واسعة مليئة بالحمير وعرباتها إذ كانت هي وسيلة نقل الأكياس آنذاك، ومع إقفال السوق أذان الظهر تنطلق الحمير التي سلمت من التحميل رافعة آذانها سعيدة بانتهاء عملها وكانوا يسمونها (حمير القايلة).. وفي عام 1973 بدأت الطفرة بارتفاع البترول وكثر الطلب على التمويل من رجال الجفرة الحكماء الجادين، وكالعادة أشعل العقار فتيل الطفرة فالعقار ما إن يشم رائحة التضخم وكثرة النقود حتى ينتفخ بسرعة كبالون مجنون.. * الشاهد أن رجال الجفرة بجدهم واجتهادهم وحرصهم على أموالهم كانوا أجود من رجال الائتمان في البنوك أمس واليوم والآن لأنهم محافظون جداً ويديرون أموالهم وأمانات عندهم (كالودائع الآن) ولكن كانت ضمائرهم حية ومعرفتهم بالناس جيدة ومحافظتهم جعلت ديونهم المعدومة أقل ما يكون.. ليت رجال المصارف يتعلمون من تجارب رجال الجفرة.