كانت امرأة تجلس على بسطة بارتفاع ثلاث درجات في بيت مفتوح على زقاق. كانت تراقب دجاجاتها التي تلهو أمام الباب، وتلمح الناس الذين يمرون بالعرض في الطريق الذي ينحدر منه هذا الزقاق. وهي لاحظت النظرة الجانبية للرجل الذي تمهل وهو يعبر أمامها في طريقه ناحية الجامع، ثم وهو يتراجع بظهره بعد ان اختفى ويتوقف في مدخل الزقاق. لاحظت انه يتأمل الدجاج ويطيل النظر إلى الدجاجة البنية ويتابعها بعينيه أينما ذهبت. ثم رأته يمشي في اللحظة التي ارتفع فيها صوت آذان الظهر من مكبر الصوت القريب.. والمرأة لم يكن عندها أي تفسير لهذا الشيء. لم يمر وقت طويل حتى انتهت صلاة الظهر، ورفعت المرأة وجهها لتجد الرجل واقفاً أمامها في مدخل الزقاق. عندما اطمأن أنها رأته تقدم منها ووقف أسفل الدرجات القليلة. وهي جذبت طرف الجلباب على أصابع قدمها العارية. كانت له قامة قصيرة ونظارة طبية وجلباب نظيف. ثم صدر عنه صوت أدهشها قليلاً لأنها كانت تظن ان مثل هذا الصوت قد يصدر عن رجل طويل. قال: «نهارك سعيد يا هانم». كما ان المرأة، أيضاً، استغربت هذه الطريقة في الكلام. وتمتمت بشيء غير مسموع، وهو تمهل قليلاً قبل ان يضيف: «بخصوص الفرخة البني»، وأشار ناحيتها برأسه، وسكت. المرأة تطلعت بدورها إلى الفرخة ووجدتها كما هي. قال: «اقصد الفرخة البني». «مالها؟» «يا ترى، فرختك؟» «أمال فرخة مين؟» «الحقيقة، د. مجرد سؤال» وهي لم ترد. قال: «يعني هي عندك مثلاً، من أيام ما كانت كتكوت؟» قالت: «أيوه» قال: «هو ده اللي كنت عاوز أعرفه، لا أكثر، ولا أقل». «طيب وحضرتك بتسأل ليه بقى؟» «من حقك تعرفي أنا باسأل ليه»، وعدل من وضع نظارته على عينيه وقال: «زمان يا ستي، كان عندنا كتكوت بني، بنفس لون الفرخة دي، الكتكوت ده خرج من البيت وما رجعش، اختفى، أنا قلت جايز جداً يكون هو نفس الفرخة البني اللي عندك، بعد ما كبر طبعاً». «ده كان بيضة وفقست هنا في البيت». «جميل جداً. هذه الإجابة تضع حداً للمناقشة». واستدار في طريقه لمغادرة الزقاق. المرأة شعرت بالقلق مما يحدث معها الآن وفكرت أنه لم يحدث لها من قبل، كما تمنت لو ان أحداً من الجيران يخرج أو يدخل الآن. والرجل قال: «شوفي حضرتك، احنا كان عندنا كتكوت بني تايه، وأنا تصورت إنه هو الفرخة البني اللي عندك. والسؤال كان شاغلني.. طيب، ما دام شاغلني، يجرى إيه لو سألتك؟» قالت: «ولا حاجة». «الله ينور عليكِ. تعرفي لو ما سألتش؟ كنت حا فضل مشغول بالموضوع طول النهار، لكن بعد ما توجهت إلى حضرتك بالسؤال الذي يشغلني، وحضرتك جاوبتي إجابة مقنعة جداً، وتفهمتها، يبقى خلاص، الموضوع انتهى، وشعرت بالارتياح. ما هو العيب في هذا؟». «ولا حاجة». «يا ريت انتِ كمان، أي سؤال يدور في دماغك، اسأليه. أنا ضيعت من عمري خمسين سنة وأنا عندي أسئلة نفسي اسألها ولا أقدر، كنت محرج، لأن بعض الناس تعتقد انها أسئلة غير مهمة. وهذه مأساة. والدليل ما حدث الآن، هل أصاب حضرتك أي ضرر من السؤال؟». قالت: «أبداً». «شوفي حضرتك، كل هذا انتهى الآن، لأن أنا من أسبوع قررت ان أي سؤال يشغلني، لازم اسأله. وانت أي سؤال يشغلك، اسأليه، دي نصيحتي ليك. وعموماً السؤال مش عيب، ولا ايه؟». «لأ مش عيب» «أشكرك» وغادر المكان. المرأة همّت بالقيام وهي تعتمد على يديها لكي تنزل الدرجات وتطل برأسها من ناصية الزقاق وتراه وهو يمشي أو يدخل أحد البيوت، ولكنها جلست في انتظار ان تظهر إحدى الجارات، لكي تحكي لها ما حدث.