لماذا يختلف الناس عن بعضهم بعضا في الأخلاق والطباع والمزاجات؟ كيف تتشكل أخلاق الجماعات البشرية؟ وما العوامل المؤثرة في ذلك؟ بعد البحث والتقصي توصلت - على حد علمي وفهمي - إلى ثلاثة عوامل مهمة ومؤثرة: أولا: البيئة، وهي قسمان: البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية. أما الطبيعية فطباع أهل المرتفعات - على سبيل المثال - قد تختلف عن طباع وأمزجة أهل السهول، البيئة الصحراوية - نظرا لجفافها وقسوتها - تنتج الشخصية الجادة أو الحادة؛ والبيئة الساحلية الرطبة يكون فيها الناس أكثر هدوءا، كذلك فان نوعية الأغذية وكمياتها تؤثر على مزاجات الناس؛ ولكل منا تجربته الخاصة في هذا المجال، القسم الآخر: البيئة الاجتماعية والفكرية، وهي كل ما يتلقاه ويتعرض له الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه من أنظمة وعادات وتقاليد وتربية أسرية وتعليم رسمي وتعليم ديني ووسائل إعلام متنوعة، وهذه هي البيئة الأهم والأكثر تأثيرا في أخلاق الفرد وطباعة وتكوين شخصيته بشكل عام. ثانيا: الجينات، فلا داعي للاستغراب إذا وجدنا طفلا يشبه أحد أجداده في الشجاعة أو الذكاء أو سرعة البديهة أو سرعة الغضب مع أنهما لم يلتقيا ولم يشاهد الحفيد الجد ولم يجلس معه. ثالثا: الأفلاك، وهذا العامل دائما ما كان محل خلاف بين التوجهات الفكرية المختلفة بين مؤيد ومعارض ومصدق ومكذب، وفي الحقيقة أن الأفلاك وما نتج عنها من فروع كالأبراج مجال غامض يتأرجح بين الواقع والخيال، أساء لصورته المنجمون والعرافون الباحثون عن المال والشهرة. ويقال حسب هذا العلم - إن صح التعبير - إن مواليد البرج الواحد يتشابهون في الكثير من الصفات، وأن التفاصيل الدقيقة للميلاد (كالساعة واليوم وموقع اليوم في الشهر والفصل) يكون لها أثر واضح في مزاجات الفرد وطباعة وتوجهاته، وهناك من أضاف دورا للأسماء في التأثير على الشخصية ويؤكد أن هناك أسماء قوية وأخرى أقل من ذلك، والحديث يطول ويتشعب في هذا المجال. ما يهمنا - في الختام - هو كيف نتعامل مع تلك المؤثرات ؛ ونسمو بأخلاقنا ونرتقي بطباعنا، من الواضح أن العامل الذي نستطيع تغييره وتطويره إلى الأفضل من بين الثلاثة عوامل هو "البيئة" وخصوصا الشق الفكري منها. الإنسان يستطيع بإرادته أن ينهل ما شاء من العلوم النافعة، ويجمع ما شاء من جواهر الحكمة ودرر المعرفة ليرتقي بنفسه إلى مراتب فاضلة تسمو فيها أخلاقه وتلين بها طباعه، متخطيا بذلك قسوة البيئة الطبيعية وتأثير الجينات الوراثية.