أكثر من مائة شاعر وإعلامي عراقي في الكويت ، عنوان خبر صحفي كفيل بتغيير الكثير مما استقر في الذاكرة العربية المرهقة بخراب العلائق بين البشر والأهل والأصدقاء ، فرغم تميز العلاقة تاريخيا بين مثقفي العراق والكويت طوال عقود من الزمن إلا أنها مرت بأسوأ ما يمكن أن يكون أثناء وبعد غزو النظام العراقي السابق للكويت في أغسطس 1990 ، وما تبع ذلك الحدث المجلجل من تصعيدات عربية ودولية ساهمت في تأجيج المشاعر السلبية بين الطرفين حتى كادت أن تموت تلك العلاقة أو أنها ماتت بالفعل. لكن الملتقى الذي دعت اليه ونظمته في الكويت مؤخرا مؤسسة جائزة عبد العزيز البابطين الشعرية تحت عنوان «الشعر العراقي في الكويت» أثبتت أن الشعر قادر على أن «يصل ما انقطع، ويرأب ما انصدع» وفقا لتعبير صاحب المبادرة عبد العزيز البابطين في كلمته التي افتتح بها الملتقى والتي قابلها العراقيون بكلمة مماثلة اعتبروا فيها ان هذا اللقاء الشعري جاء «ليعيد سفر الاخاء الى سابق عهده، ويعمق الاخوة والتوادد والتواصل بين شعراء وادباء ومثقفي الكويت وبين شعراء وادباء ومثقفي العراق، وبهذه الروح المعطاء لبينا دعوتكم الكريمة السمحة، لتتصافح النفوس والقلوب، رافضة أحلام الغزاة المدانة خلقيا وعربيا ودوليا» وفقا لتعبير رئيس اتحاد الكتاب العراقيين السابق ناجي هلال. والشعراء العراقيون الذين فاجأوا الذائقة العربية قبل اكثر من نصف قرن تقريبا بقصيدة جديدة تخالف موروث العربي الشعري القائم على الوزن والقافية دشنوا مساهمتهم في هذا الملتقى بقصيدة عمودية موسوعية لم يترك صاحبها الشاعر جواد جميل شاردة أو واردة فيما يخص الوضع العراقي المعاصر والعلاقة مع الكويت إلا واختصها ببيت أو أكثر من أبيات قصيدته الطويلة والتي نالت إعجاب جمهور كان في معظمه من مشجعي القصيد العمودي على عادة الجمهور التقليدي لملتقيات مؤسسة البابطين الشعرية المتعددة . على أن سيادة الشعر العمودي لم يزعج غير التقليديين من الشعراء العراقيين الكثر في هذا الملتقى بقدر ما أزعجهم هزال برنامج الملتقى الذي لم يحتو إلا على محاضرتين إحداهما عن «رواد الأحياء في الشعر العربي الحديث في العراق»، والأخرى عن «رواد التجديد في الشعر العربي في العراق» بالإضافة الى أمسيتين شعريتين احتوتا على الكثير من غث الشعر والقليل من سمينه، فقد رأى المشاركون ان الشعر العراقي ، وبعد كل هذا الغياب القسري عن سياقه العربي يستحق اكثر من ذلك ، إلا انهم اجمعوا ، بالمقابل ، على أهمية هذا اللقاء الذي وفر لهم أن يخرجوا من عزلتهم العربية بالذات ، في ظل أوضاع ما زالت ملتبسة بشكل يؤسف له جعلت من اتحاد الكتاب العرب مثلا يرفض حتى الان ، دعوة اتحاد الكتاب العراقيين ، في نسخته الجديدة المنقحة من تبعات النظام السابق ، للانضمام اليه دون أي مبرر حقيقي !! . ثلاثة ايام اذن قضاها الشعر العراقي في الكويت زمنا للوصل والتواصل رغم كل المرارات العربية بعناوينها الاكثر مرارة ...وما أكثرها!. [email protected]