احيانا أتساءل لماذا تعلق في أذني نغمة موسيقية معينة ترسم ابتسامة او بيت شعر يتردد في ذهني بدون مقدمات وما الذي يجذبني في لوحة معلقة ضمن المئات في حجرة في متحف. لماذا أتوقف أمامها لوقت طويل أتأمل وانا لست خبيرة فنية بل مجرد سائحة تمسك بخريطة ودفتر الإرشادات وتتجول بلا هدف بين لوحات معروضة ولا اعرف الفرق بين انواع الألوان لكن تجذبني تموجاتها. هناك لوحات تجذبك ألوانها وهناك لوحات تضيع في متابعة تفاصيلها وهناك ما لا تفهمه وهناك ما يجعلك تطرح الف سؤال وهناك تلك التي تثير الأفكار داخلك وهناك التي تداعب الذكريات فيك. وهناك التي تجعلك تفهمها بطريقتك رغم انف البروشور الفني الذي تقرأه او تعليقات الناقد الخبير الذي يتحدث عن تاريخ اللوحة وظروفها. احدى اللوحات المشهورة المعروضة حاليا في احد متاحف نيويورك للفنان جان بابديست جريز بعنوان (البيض المكسور) والتي تصور ثلاث شخصيات شاب يبدو متوترا وامرأة عجوز غاضبة وفتاة تدير ظهرها وتحدق بجمود يبدو على كل منهم تعبيرات مختلفة تحكي لك الموقف وتحاكيك، قد تنشغل بالثلاث شخصيات هذه وبتفاصيل المكان الذي تصوره اللوحة، ولا تلتفت للطفل الصغير في طرف اللوحة وبيده بيضة مكسورة يبدو وكأنه يحاول إرجاعها لما كانت عليه. موضوع الصورة كله يتلخص في هذا الطفل الذي تبدو عليه علامات الجدية او الحيرة يعتمد هذا على نظرتك انت. وعنوانها يأتي من هذا الطفل، ورغم التفسيرات والتحليلات المعروفة والمتداولة للوحة الا انك كمتلقٍ قد تشكل لك اللوحة عالما آخر وقد يحمل لك الطفل رسالة مختلفة عن رسالة الرسام او الناقد. لوحة اخرى تصور موت سقراط وهي لوحة ملحمية للفنان جاك لويس ديفيد تمثل تخيله لموت سقراط بعد اصدار الحكم باعدامه بتهم كثيرة منها إفساد عقول الشباب. قد تأخذك اللوحة في حديث جانبي عن الفكر والخوف منه في تلك الايام وقد تتسمر أمامها متأملا تفاصيل الألم والخوف على الاشخاص المفجوعين محيطين بالرجل موضوع اللوحة والذي يبدو اكثرهم صمودا وهو ياخذ موضع المتحدث او موضع الحدث. مرة اخرى تسيطر التفاصيل بكثافة في تغطية احد المفجوعين لوجهه او انهيار الاخر وهو يستند بحزن إلى جدار قريب او الذهول المرتسم على وجه ثالث. ليس بالضرورة ان تتحدث بحذلقة عن المرحلة الكلاسيكية الجديدة ولا ان تدعي انك تعرف نوع القماش ودرجة اللون المستخدمة ونوعية الفرشاة التي امسك بها الفنان، يكفي ان تحس... ان يتحرك شيء داخلك ان تفرح ان تضحك ان تتامل ان يتملكك شعور بالانتعاش، ان تشعر ان عقلك كان في رحلة سياحية تجدد فيها. يخطئ من يحصر الفن في مجالات معينة لا تتجاوز الرقص والغناء واقتباس الأفلام الاجنبية بدعوى الوصول للعالمية، ويظلم نفسه من يعتقد ان الفن اكسسوار للمرفهين فقط.