ما إن تحط بك الرحال في مدينة ينبع الصناعية إلا وتشاهد ما يأسر الأنظار، ويبهج القلوب، ويبعث الأمل والسرور في نفوس تعشق الجمال والإبداع، وقتئذ تجد أن كل ما حولك يدعوك لتأجيل كل شيء، حتى تستمتع بلحظات تحفظ الذاكرة كل تفاصيلها في خانة خاصة بأجمل ما وقع عليه البصر، وليس بجديد أن يُمعن المرء ويتأمل فيما لم يعتد عليه، فتلك طبيعة وجبلة بشرية. حقاً، إنها مدينة عصرية واكبت الزمان فصارت إحدى عجائبه، عمرها بضعة عقود لكنها تجاوزت مدناً قديمة تنتمي لدول عديدة، وذلك بفضل جهود كبيرة تسير وفق إستراتيجية وخطط مدروسة، تم ترجمتها على أرض مدينة ساحلية تداعبها نسمات البحر الأحمر العليلة، لتمنحها أجواء خلابة رائعة، ويُكمل روعة الأجواء شاطئ أشبه بلوحة فريدة امتزجت بها ألوان بهية، فثمة حدائق غناء قد اكتست أرضها بلباس أخضر، وازدانت بمختلف الأشجار والشجيرات، وعطرت محيطها رائحة الزهور والورود، إضافة لتكامل الخدمات والمرافق، من مساجد ودورات مياه، ومحلات ذات تصاميم حديثة تقدم بعض المأكولات والمشروبات للمتنزهين والزائرين، وامتداداً لهذه اللوحة الزاهية نُفذ مشروع الحزام الأخضر الذي يُحيط بالمنقطة السكنية والذي يشكل حاجزاً يخفف شدة الرياح والعواصف الرملية، وفي الوقت نفسه هو متنفس لقضاء أمتع الأوقات، فهو عبارة عن مسطحات خضراء تحوي أشجاراً ونخيلاً، وفيه ممرات للمشاة وألعاب أطفال مختلفة وأماكن للجلوس، وبالتحرك من محيط المدينة إلى عمقها، نجد أن الإبداع والروعة يكمن في كل شيء حتى في التفاصيل الصغيرة، فالشوارع فسيحة تخلو تماماً من الحفر والنتوءات، ومن التحويلات والإغلاقات، وذلك لوجود بنية تحتية متكاملة، فتصريف مياه الأمطار، والصرف الصحي، وكافة تمديدات الكهرباء والهاتف والري، تُنشأ قبل غيرها من المشاريع، لذا تنساب حركة المركبات بكل سهولة خاصة في ظل وجود إشارات مرورية تعمل وفق نظام الكتروني دقيق ينظم أولوية السير بزمن مناسب، وأيضا خلو الشوارع من المحلات التجارية، حيث إن الأسواق مركزية بعيدة ومستقلة عن الطرق، أما حين نتوغل قليلاً داخل الأحياء السكنية، فسنلاحظ أن هناك معايير ومواصفات تحكم تصميم المباني والمرافق، وبتوفر لوحات إرشادية تحوي أسماء الأحياء والشوارع وأرقام المنازل، يمكن الوصول للمكان الذي نقصده دون عناء، وفي كل حي يوجد سوق مركزي ومدارس للبنين والبنات، ونوادٍ نسائية وأخرى رجالية، ومما يدل على أن العشوائية لا مكان لها داخل هذه المدينة . إن أي إدارة أو سوق أو مسجد أو مؤسسه أو مدرسة خصص لها ما يكفي من مواقف السيارات، ثم أن النظافة تسود كل الأرجاء، ولو نظرنا من مكان مرتفع لرأينا أن الخضار يكاد يغطي المباني والطرقات، ولأهمية الكتب والمكتبات، يمكن لأي شخص زيارة المكتبة المركزية التي تزخر بمختلف الكتب إضافة للصحف اليومية وخدمة الانترنت، ولا ننسى المصانع والشركات العملاقة التي يعمل بها الآلاف من أبناء هذا الوطن والتي تضيء أنوارها سماء المدينة الصناعية. ومما لاشك فيه أن الحديث عن الهيئة الملكية للجبيل وينبع وما أنجزته يبدأ ولا ينتهي، غير أننا حاولنا إلقاء الضوء على ينبع كونها فخراً للوطن، وكون إبراز الجميل يزيده جمالا، ويكون نبراساً ونموذجاً يُحتذى به، فهذه التجربة الفريدة يجب الاستفادة منها حتى لا تقف في حدود معينة.