هكذا وصفها أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس "فرنسيس بالْ" حين كتب عن الميديا. المنتجات التقنية الرقمية أصابت البشر فيما يبدو بما يشبه الحُمى. صحيح أن فورة الميديا جعلت العالم قرية كونيّة ولكن كيف تعاملنا معها كشعوب عالمثالثية وكيف هي طريقة استخداماتنا للوسائل الاتصاليّة الحديثة؟؟ أذكر في بداية دخول الهاتف الآلي أن استغل البعض حداثة تلك الوسيلة في إزعاج الآخرين بالاتصال العشوائي وحين يرد الطرف الآخر يبادر المُزعج بجملة (آلو ، من ذا بيته) فإن كان صوتاً ناعماً تبدأ حكاية المُعاكسة والغزل. لم تنتهِ تلك المُمارسة التي أقل ما يُقال عنها بأنها سخيفة إلاّ بعد إدخال تقنية كواشف الأرقام. رسائل ال(SMS) التي تُبث عبر الشرائط المتحركة في المحطات التلفزيونية الفضائية ومقاطع البلوتوث الذي تنشر في موقع (اليوتيوب) وكذا النكت المتداولة عبر الهواتف المحمولة تُشكل كاشفاً دقيقاً لثقافة وفكر أيّ مجتمع وهذا ربما سيُسهّل على الدارسين والباحثين في العلوم الاجتماعية الوصول إلى حقائق لم تكن في متناولهم لو لم توجد تلك التقنية. بقي في ذاكرتي رسماً (كاريكاتوريّاً) نُشر في إحدى المجلاّت الأمريكيّة لا أذكرها بالضبط لوهن الذاكرة، كان ذلك فيما أعتقد في منتصف التسعينيات الميلاديّة وبعد بداية شيوع استخدام الإنترنت تقول إحداهن لصاحبتها "إنّه ينبح كلما وردني رسالة على الإيميل" وتشير إلى كلب يقتعد كرسي أمام جهاز الكمبيوتر ولا أدري كيف هي الحال اليوم وصندوق الوارد يستقبل الأعاجيب..؟؟ يبدو أن خصوصية الناس اليوم تقلّصت جداً في ظل التهافت المحموم على تدوين أدق التفاصيل الشخصية للفرد على مواقع التعارف الاجتماعي في الانترنت مثل "فيس بوك" و"تويتر" وغيرها. وفي هذا السياق ربما يُلاحظ الراصد اليوم تغيراً اجتماعياً أصاب معظم الأسر في بلادنا حيث كان جميع أفراد الأسرة يتحلقون مساء أمام جهاز التلفزيون الذي ربما يكون الوحيد في المنزل يتابعون البرامج والمسلسلات، لا تسمع لهم صوتاً عدا نُتفاً من التعليقات والهمهمات بين آونة وأخرى. الآن إذا اجتمعوا فهم صحيح في مكان واحد لكن قلوبهم شتّى الكل مشغول بما في يديه (لاب توب، بلاك بيري، آي فون، آي باد، قيم بوي..الخ) حلّت أصوات تلك الأجهزة محل التنهدات أو الضحكات البريئة أيام زمان. فعلاً إنها حُمى تقنويّة.