ما أجمل أن ترى في واقعك ما يذكرك بتاريخك التليد من حكم رشيد ومنهج إسلامي فريد، حيث كنت أقلب صفحات كتاب: «الأئمة من آل سعود والنهج الإسلامي الفريد» لمؤلفه الأخ المواطن المخلص الأستاذ فهد بن عبد العزيز الكليب، فوجدته قد أجاد فيه الدراسة والعرض، وبين الأصول الكبرى لقيام الدولة السعودية، ومفهوم الإمام والإمامة في الشريعة الإسلامية، وسمات وخصائص حكم الأئمة السعوديين. إن المملكة العربية السعودية قامت على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهما مصدرا التشريع، فاستخلف الله في الأرض الذين آمنوا وعملوا الصالحات، قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)، فبعد الخوف حل الأمن، وبعد الظلم والتظالم حل العدل والمساواة، وبعد الجهل حل العلم، وبعد المرض حلت الصحة، وبعد الفقر حل الغنى، فصارت الإمامة والدعوة إلى الله أساس الملك، واتخاذ الإمام دينا وقربة إلى الله تعالى، وبمناصرة الدين استحق الأئمة العز والتمكين، وأصبح العدل والشورى والمساواة أساس الحكم، وتنافس الأئمة في فعل الخيرات وحرب المنكرات، وحرصوا على خدمة الحرمين الشريفين وراحة ضيوف الرحمن، لكون الإمامة تكليفا لا تشريفا، مع الرحمة والتكافل والأخوة وحفظ الحريات والممتلكات، ووحدة السير على النهج الصحيح والمنهج القويم، والعمل على تثبيت دعائم الأمن والأمان والاستقرار في ربوع الدولة، ونجاحهم في تحقيق قيام الوحدة الوطنية وبروح الأسرة الواحدة، مع مد يد العون والمساعدة للعرب والمسلمين والبشر في أنحاء العالم، والاعتدال والتوازن في كل أمر من أمور الدولة والحياة، والرأفة بالرعية ومحبتها، ولذا انتقلت مسؤولية الحكم من يد إلى أخرى بكل يسر وسهولة وطبقا للضوابط الشرعية، كما تميزوا بالحلم والصبر والتجاوز عن الهفوات من الحاسدين والحاقدين، ومما يذكر ويقدر البعد عن ألقاب التبجيل والتعظيم والمفاخرة. لا يعني هذا الكمال والعصمة، وإنما يجب علينا النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة، والمحافظة على المكتسبات الوطنية، مع السعي في التنمية والتطوير الدائمين، ولا يمنع هذا النقد الموضوعي البناء، فكما نحتاج لمنصفين يقدرون الإيجابيات، فكذلك نحن أحوج لمخلصين ينصحون بشأن السلبيات، وجميعنا في سفينة واحدة، فنؤمن ونعمل الصالحات ونتواصى بالحق ونتواصى بالصبر.. وعلى ضوء هذه السمات صار المواطنون يخلصون لولاة أمرهم، ويحبونهم ويدعون الله لهم، بعد أن عقدوا البيعة لهم، وأطاعوهم في المنشط والمكره، وناصحوهم بمحبة وسر ووفاء، ولم يخرجوا عليهم بقول أو بفعل، وتعاونوا مع ولاة الأمر في الدفاع عن الوطن والمواطنين، وتنمية البلاد وخدمة العباد، والتطوير الدائم في شتى مناحي الحياة. وقد ورد في تقديم الدكتور عبدالله التركي لهذا الكتاب الإشارة إلى كثير من الإنجازات التي تحققت على يد هذه الدولة الراشدة، حيث تعتبر نموذجا للدولة الإسلامية المعاصرة، في الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة، والكتاب والسنة نظاما ودستورا، ولذا كفل لها هذا الالتزام النجاح والتوفيق منذ قامت وبدأت نهضتها العمرانية الشاملة، فتمتع أهلها بالأمن والرخاء، وحقق نظامها العدل والاستقرار، ونالت مكانتها البارزة بين الدول العربية والإسلامية، بل والعالم أجمع، فتحقق فيها وعد الله الذي لا يخلف وعده، فمكن لهذه الدولة، بنهجها الفريد الذي يمثل الدولة الإسلامية المعاصرة، بهدي القرآن وقوة السلطان، وها نحن اليوم نعيش متابعة لذلك النهج القويم، فبذل ملوكنا جهدهم وجهادهم في سبيل إقامة الدين، وحفظ أهله، فأتم الله بهم نعمته على المملكة، وتحقق فيها حفظ الدين، وتطبيق شريعته، والالتزام بأحكامه، إلى جانب نعمة الأمن والرخاء، والاعتصام بالله، وتوحيد المملكة، وعلو مكانتها بين الأمم، مع الجمع بين العزم والحزم والحسم في غير عنف، واللين والرفق والعطف من غير ضعف، فتحقق على يد هذه الدولة الخير الكثير لأبناء هذه المملكة وللأمة الإسلامية. وإذا كان المسلمون في أنحاء العالم يحنون إلى عصر الخلافة الراشدة، ويعتبرونه النموذج الأمثل للدولة الإسلامية، فإن العبرة في المنهج ذاته، وفي كيفية تطبيقه، بحسب حاجات العصر ووسائله، وظروف المسلمين وأحوالهم، فهذه الدولة أقامت النظام الإسلامي الشامل، والتزمت بمنهجه وهديه، وحكمت شريعته وعدله، وبذل ملوكها أكبر الجهد في تطبيق هذا المنهج، وحفظ حقوق المسلمين ومصالحهم، فكان حكما راشدا وخلافة حقيقية في الإسلام. وقد بين الباحثون الإنجازات السعودية ومنها: التضامن الإسلامي الذي أخذت المملكة على عاتقها القيام به، وما تمخض عنه من نتائج باهرة، لا تزال الأمة الإسلامية تنعم بها، ناهيك عن مؤسساته السياسية والاقتصادية، وما كان للمملكة من فضل في نشأتها، ودعمها، ومنها: رابطة العالم الإسلامي، وما يتبعها من مؤسسات، ومنظمة المؤتمر (التعاون) الإسلامي، وما انبثق عنها من قطاعات، وخاصة بنك التنمية الإسلامي. وكذلك قامت المملكة بواجب الدعوة الإسلامية من خلال المكاتب، والمراكز، والملحقيات التي ترعاها الدولة وتمدها بالمال والدعاة، والكتب، في أنحاء العالم، مع الاهتمام بعمارة المساجد في داخل المملكة وخارجها، وفي مقدمة ذلك عمارة الحرمين الشريفين، التي يكفي دلالة عليها تسمية الملك بلقب خادم الحرمين الشريفين، إضافة لإقامتها ودعمها للأكاديميات الإسلامية في العالم، وإقامة الكراسي الإسلامية، في كبريات الجامعات العالمية، كما أنه من أبرز الإنجازات إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وترجمة معانيه إلى مختلف اللغات، وكتب السنة والسيرة النبوية المطهرة. وقامت المملكة بدعم الدول العربية والإسلامية وغيرهما، لا سيما أثناء الكوارث والمحن، حتى أصبحت المملكة ثاني أكبر دولة في العالم في مجال المساعدات، وفي المرتبة الأولى من حيث إن مساعداتها غير مشروطة ولا تريد من ورائها جزاء ولا شكورا. وأما الدفاع عن قضايا المسلمين، وخاصة قضيتهم الأولى: «فلسطين والقدس الشريف»، فهذه مسألة لا جدال حولها ولا مزايدة عليها، كما وقفت المملكة إلى جانب الشعوب المضطهدة، مع بذل المساعي الحميدة في التوفيق والإصلاح بين المسلمين، وسعت لبناء الكوادر الإسلامية الوسطية المعتدلة المخلصة لأوطانها، حيث أقامت الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة، لتعليم أبناء المسلمين، وقد مضى على الجامعة نصف قرن من الزمان، وبهذه المناسبة تطورت الجامعة بإدخال كليات تخصصية في الطب والهندسة والعلوم الدنيوية العامة، لتخرج كثيرا ممن تحتاجهم البلاد الإسلامية من الموارد البشرية في شؤونها الدينية والدنيوية، كما قامت المملكة بتبني طباعة ونشر أمهات الكتب الإسلامية وتوزيعها بمختلف اللغات على نطاق واسع ودون مقابل، من أجل تبصير المسلمين بحقيقة دينهم. وعلى الصعيد المحلي قامت الدولة بالضمان الاجتماعي، الذي يعد في التصور الإسلامي من الغايات الجليلة في التكافل الاجتماعي، وقد تضاعفت المبالغ خلال الفترة الماضية إلى أرقام كبيرة، كما قامت صناديق الإقراض، ومنها العقاري والصناعي والزراعي والتسليف والموارد البشرية، بخدمة الوطن والمواطنين، فنهضت المملكة عمرانيا وصناعيا وزراعيا وبشريا واجتماعيا، إضافة لتشجيع قيام الجمعيات والمؤسسات الخيرية الخادمة للمجتمع، مع تخفيض أسعار الطاقة والمواد الحياتية، ودعم المواد الغذائية الرئيسية، وإعانة مورديها، وكل ذلك للتخفيف على المواطن والمستهلك، ومن آخرها تلك الحزم من القرارات منذ مطلع هذا العام وحتى اليوم حيث الدعم للاحتياجات المعيشية. وأخيرا وليس آخرا الإنفاق بسخاء على خدمة الحرمين الشريفين والحجاج والمعتمرين، عبر مشاريع كبرى في المسجد الحرام والمسجد النبوي، والمواقيت والمشاعر المقدسة، وإقامة الجسور والأنفاق والطرقات، وغير ذلك كثير لا يمكن حصره في هذا المكان، وليس لجميع المواطنين بل والعرب والمسلمين إلا أن يرفعوا أكف الضراعة بالدعاء إلى الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وجميع المخلصين في المملكة العربية السعودية، وأن يجزيهم خير الجزاء وأوفاه. ولا يعني هذا الكمال والعصمة، وإنما يجب علينا النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة، والمحافظة على المكتسبات الوطنية، مع السعي في التنمية والتطوير الدائمين، ولا يمنع هذا النقد الموضوعي البناء، فكما نحتاج لمنصفين يقدرون الإيجابيات، فكذلك نحن أحوج لمخلصين ينصحون بشأن السلبيات، وجميعنا في سفينة واحدة، فنؤمن ونعمل الصالحات ونتواصى بالحق ونتواصى بالصبر.