لا أظنهم أطفالاً سعوديين.. ولا أجزم بأن جميعهم من الأجانب!! إذا نظرت إلى وجوههم التي يملؤها البؤس، وأمعنت في ملابسهم الدالة على الفقر، وإذا تفكرت في أساليبهم وعزمهم العجيب وتحملهم التعب وتقلبات الطقس ما بين حرارة لاذعة وبرد قارس.. فلا أتخيل ان أبناء هذه البلاد يصلون إلى هذه الدرجة، لا أعني بذلك فقرهم بل الفقراء لدينا كثر، ولكن خروجهم لتلقف الناس في الشوارع وتبذلهم إلى درجة اذلال النفس في مقابل كسب ريالات معدودة، كما لا أتصور أيضاً ان الوافدين إلى بلادنا وصلوا إلى هذه الدرجة فأصبحنا نتحمل إلى جانب بطالة أبنائنا وشبابنا بطالة وافدة أيضاً. هذه الأفكار وربما أكثر تراودني كلما تطفل على طفل في سيارتي يسترجيني في شراء قنينة ماء أو علبة منديل، أو يعرض علي بؤسه لأجود عليه بريال أو أكثر، فأظل أدور بمخيلتي في دوامة هذه الأفكار والمشاهد إلى ان أمل دون ان أجد تفسيراً واحداً لما أرى. لا أريد ان أسهب كثيراً في وصف هذه النماذج المأساوية ولكن يحق لي ان أتساءل عن دور الجهات الرسمية تجاه هؤلاء الأطفال البؤساء! ماذا قدمت لهم وماذا فعلت لحل هذه الظاهرة؟ في رأيي أمر هؤلاء لا يخرج عن حالتين لا ثالث لهما وهما كما أسلفت إما سعوديون من أبنائنا، أو أجانب وفدوا إلينا، وفي كلتا الحالتين مأساة كبيرة، فإذا كانوا من أبناء هذا البلد فأين جهود وزارة الشؤون الاجتماعية عنهم، وأين مكاتب الضمان الاجتماعية الكثيرة، بل أين الجمعيات الخيرية المنتشرة في مدن وقرى وأحياء المملكة؟ إن وجود مثل هذه الفئة سائبة في الشوارع وهي في مقتبل أعمارها وبراءة طفولتها يمثل أبشع صور التفكك الاجتماعي والاعتداء على الطفولة وحرمانها من حقها في الرعاية والتعليم، كما ان هذه المشاهد تصور خللاً وفجوة كبيرة في أنظمة الشؤون الاجتماعية تتسرب من خلالها هذه الفئة البريئة.. أما إذا كان هؤلاء من جنسيات أخرى فالتساؤل أبلغ وأكبر عن كيفية دخولهم إلى البلاد وانتشارهم بهذا الشكل الكبير ولا أدري كيف تحول الوافدون من طاقات تستقدم لسد ما قد يكون من فجوات في بعض المجالات التي لم يتمكن أبناء الوطن من شغلها إلى طاقات متكدسة تفرخ بين ظهرانينا من يمتهن التسول في كل شارع وميدان وبغض النظر عما إذا كان هؤلاء محتاجين أم محتالين ففي كلتا الحالتين هم عالة علينا.